تُرى هل كنّا نعلم أننا نحبها إلى هذه الدرجة.. هل كنّا نستشعر أننا نعشقها إلى هذا الحد.؟ هل كنّا نتخيل أنها تسكن أرواحنا بهذا الشكل.!
هل كنّا نعلم أننا لا نتنفس هواءها بل نتنفسها هي..
وأنها تسري مع الهواء في صدورنا.. كما تجري مع الدماء في عروقنا..
أعرف حبها وعشقها.. لكني عرفته الآن أكثر.. نعم.. فهي لم تكُن مُجرد نشيداً وأغنية في كل صباح..
ربما كانت حُلماً وأمنيةً للبعيدين عنها، أو أنها كانت همساً ولحناً عذباً للهائمين بها..
ولكنها..تسكن هنا بين روحي وأضلعي.. ها هي هنا تتسلل بين خلجات نفسي..وهناك ترمقني من بعيد وثغرها الوضّاء يبتسم لي..
هل تُراني أشعر بذراعيها وهي تحتضنني.. أم بها وهي تسكن بين خلجات قلبي.. وتملأ أركان نفسي بهاءاً وجلالا..وهيبةً و وقارا..
أعرف اسمها و رسمها.. بل أعشق اسمها وأهيمُ برسمها.. لكن.. يا تُرى.. هل كانت غائبةً عني أم كنتُ أنا بعيدةً عنها.. و هل الأمواج الصاخبة في بحرها المتلاطم هي من قربتني منها أكثر.. أم جعلتني أفتح عينيّ عمّا شغلني عنها لأتذكر وأتفكر.. بها.. هي من تكون؟ ولماذا قد جن جنون القوم وهم يطلبونها ويمنّون أنفسهم بأن يحظوا بها..!
آهٍ ما لاقيت حتى أعرف حقيقة كنهها، ولماذا هي دون غيرها..لماذا أجمع العالم كيده وتآمره علّه يُجيدُ العوم في بحرَي عينيها الأحمر والعربي فما كان منه إلا أن غرق على أبواب هواها.. فكم من صرعى ومجندلين عن الشمال وعن اليمين.. فلا هم وصلوا إلى قلبها ليسكنوه ولا تابوا عن هواها والطمع بها مع شدةِ ما لاقوه..
وكيف لقلبها أن يتسع لغير من سكنوه، وبدمائهم لقلبها أعطوه نبضاً وأحيوه..
واهمون..يعتقدون أنّ فؤادها يتسع لغير الصادقين في عشقها المعانقين بأرواحهم أفقها الطاهر..
حمقى ومغفلون.. كانوا يظنون أنه لا حماة لها.. ولا حراس على أبواب أسوارها المنيعة.. ولم يكونوا يعرفون أنهم ليسوا كغيرهم أو تغابوا عن ذلك..حتى لقوا الويل والمنون..
وتباً لهكذا شعور.. تباً له كم لمتُ نفسي أنه راودني.. أني خِلتُ للحظة أن هناك من هو أجمل منها..أو أن نفسي قارنتها بسواها أو مَنيتُ روحي يوماً بغير هواها..
لا أقول أني لم أكن أحبها.. بل أعشقها لكن لم أكن أدرِ أني متيمةٌ بها إلى درجة الجنون..!
ربما فقط أني حدثتُ نفسي ذات مرة.. لِمَ هي فقيرة..
لم أكن أعلم.!
لماذا ليس فيها حدائق مبهرة، ومباني كبيرة..
لم أكن أعلم.!
وأين هي الأبراج ُ الطويلة.؟
لم أكن أعلم.!
لكن اليوم.. ماذا عساني أقول.؟ وقد تم تدمير كل شيء.. هل أن أحلامي قد تلاشت.. فها هو ما كان موجوداً.. قد أصبح اليوم مفقودا..
لكن مالي أجِدُ نفسي أعشقها أكثر.. متيمةٌ بها أكثر..
أعشق هواها بجنون..
ولأجلها أصبحتُ كم أهوى المنون..
كيف لا.؟
وهي في الأرض ملكةٌ من جمال..
وفي السماء آياتٌ من جلال..
كيف لا.؟
وأبناءها يتسابقون من يفديها بدمه.؟ ومن يغنيها بِفَمِه.؟ وأيُّهم يكون أكثر في الولاء.. والانتماء.. و يرتقي في حبها نحو السماء..
كيف لا.؟
ومن نساءها بلقيس..
ورجالها تَخطُوا المستحيل بكل المقاييس.. واسألوا التوشكا والبركان.. بل الزلزال من لكُلِّ مُتكبرٍ أخزى وأهان..
كيف لا.؟
ورجالها من تحطمت تحت وطأتهم جحافل الفجّار..
عندما كان الليث يواجههم ويطاردهم وهو يسير.. فكيف به اليوم وقد اعتلى وطار..!
أعشقها.. لأني أعشق الكمال والجمال والجلال..
فمن يباهيها في الكون وأبناءها هم أقوى وأبرُّْ الرجال..
وما لها في القلب بديل.. هذا محال..
أمي اليمن أعشقها.. وأفديها وأفديها وأفديها مهما استمر عمرُ البغي أو طال...