تتلمذت على يديه في الصف الرابع الابتدائي بمدرسة العهد الجديد بمدينة معبر، كنت أشعر بالسعادة الغامرة وهو يأتمنني على شنطته السوداء والعصا الخاصة به، منذ عرفته كان بسيطا متواضعا، ضاحكا مبتسما، يميل دائما إلى المرح، يرسم البهجة والانبساط على من حوله، تدرج في السلم الوظيفي في حقل التربية والتعليم إلى أن وصل إلى محطته الأخيرة مديرا لمدرسة العهد الجديد بمدينة معبر والتي قضى فيها جل سنوات عمله التربوي، والتي لم يمهله القدر ليستمر فيها طويلا.
مجالسته لا تمل، وإذا ما كان حاضرا في مجلس فمن سابع المستحيلات أن يداخل من فيه الكآبة والقلق والتوتر، يضحك ويريح الجميع وتمر وتنقضي الساعات سريعا دون أن يشعروا بها، وما إن ينتهي من جلسة المقيل حتى يغادر إلى جامع المؤيد لأداء صلاة المغرب، ربطته علاقات حميمية جداً مع كل من عرفه في الوسط التربوي والاجتماعي، وزاد نطاق هذه العلاقات مع التحاقه بالمسيرة القرآنية من خلال الدورات الثقافية الكثيرة التي انخرط فيها، وتعرف على الكثير من المجاهدين وتدرج ليصبح من الثقافيين البارزين على مستوى مديرية جهران.
كان يلقي الدروس في المجالس، ويتنقل خطيبا للجمعة في كثير من مساجد المنطقة، علاوة على ارتباطه الوثيق بعمله التربوي مدرساً ومن ثم وكيلاً، قبل أن يتم تعيينه قبل شهور قليلة مديرا للمدرسة التي أحبها وأحبته وارتبط بها وارتبطت به ، عانى كثيرا من قسوة الظروف وجور الزمان عليه ولكنه لم يشتك أو يتذمر، فعاش عزيزا متعففا معتزا بنفسه، ودفع بأولاده للالتحاق بصفوف المسيرة القرآنية والانطلاق في مضمار الجهاد في سبيل الله دفاعا عن الأرض والعرض والشرف والكرامة، وقبل أشهر قليلة فقد نجله إسماعيل إحدى عينيه على إثر غارة لقوى العدوان في البيضاء، أثناء مشاركته في معركة النفس الطويل التي يخوضها وطننا وشعبنا ضد التحالف السعودي السلولي الإجرامي اللعين بقيادة السعودية والإمارات ومن خلفهما أمريكا وبريطانيا والكيان الصهيوني الغاصب.
أصيب بمرض السكر قبل فترة لا بأس بها ، ومن ثم تعرض لجلطة دماغية كادت أن تودي بحياته ، ولكن الله لطف به وكتب له الحياة، وخلال أسابيع قليلة عاد المجاهد والتربوي والثقافي القدير الأستاذ الشهيد حسين محسن البنوس (أبو أحمد) ليرسم الفرح والسرور على محيا من حوله مواصلاً مسيرته التعليمية في مدرسته ومسيرته الجهادية في ميادين العزة والشرف والبطولة، لم يتذمر رغم حالته الصحية التي لم تعد تسعفه على الجهاد، ولكنه ظل على ذات الدرب مع أولاده إلى أن اصطفاه الله شهيداً وهو يؤدي واجبه الجهادي في محافظة شبوة بصحبة ثلة من رفاقه العظماء الذين ضربوا أروع الأمثلة في الشجاعة والإقدام، لينتهي بهم المطاف بالظفر عن جدارة واستحقاق بوسام الشهادة.
لحظات عصيبة عشتها وأخي هاشم الذي كان له بمثابة الظل المرافق له يبلغي بفاجعة رحيله، لم استوعب الخبر وطلبت منه أن يكرر ما أخبرني به ، فقد يكون سمعي خانني ولم أسمع جيدا ما قال ، كرر الخبر الصاعق والصادم ، حينها شعرت بحالة من الفتور والانهيار التام ، اتصلنا بهاتفه فرد علينا أحدهم ليؤكد لنا خبر استشهاده مع اثنين من رفاقه، وأن جثثهم لديه وقد تكفل بدفنها بصورة مؤقتة للحيلولة دون تمكين عصابات الإجرام والتوحش من الوصول إليها في حال وصولها إلى المنطقة، أظلمت الدنيا في وجوهنا جميعا، لقد استشهد حسين ورفاقه في طريق عودتهم من مهمتهم الجهادية ، كان من المتوقع حسب اتصاله لابنته أن يصل السبت أو الإثنين، ولكن مشيئة الله اقتضت أن لا يعود إلينا، وأن تكون عودته إليه عز وجل، ليقيم هناك في الفردوس الأعلى مع الأنبياء والشهداء الخالدين العظماء، وهو المقام الذي يليق به، المقام الذي يليق بقلبه الطيب وصدره الرحب وروحه المرحة .
رحل حسين الأستاذ والمعلم والقدوة بهدوء، رحل رحيل العظماء شهيداً خالدا، رحل وتركنا نواصل معترك هذه الحياة بمنغصاتها ومكدراتها التي كان لحضوره وروحه المرحة السبب في التخفيف من وطأتها وشدة تأثيراتها، فكنا نضحك رغم الأحزان، ونبتسم رغم الأوجاع، وكان الشهيد الراحل سلام الله عليه من يمنحنا تلكم اللحظات الممتعة التي عشناها رفقته، وخصوصا خلال أيام وليالي شهر رمضان المبارك، والتي كان لها معه وفي حضوره نكهة ومذاقاً خاصا.
رحمك الله يا أبا أحمد رحمة الأبرار، بكتك قلوبنا دماً نازفا، وبكتك أعيننا دمعا جارحا، سنفتقدك ونشتاق إليك وإلى روحك المرحة، لن ننساك ما حيينا، يا حسين الاسم والمسمى، ويا حسن الصفات والسجايا، طيب الله ثراك، وجعل الجنة سكناك، إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا على فراقك لمحزونون، وإنا لله وإنا إليه راجعون ولا حول ولا قوة إلا بالله.
قلت قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ووالدينا ووالديكم.. وعاشق النبي يصلي عليه وآله.