واقع التعليم الجامعي في بلادنا ما يزال دون المستوى المنشود والأمر يعود إلى السياسة التعليمية العقيمة التي كانت سائدة طيلة السنوات الماضية والتي كانت تعتمد على مناهج تلقينية، ومناهج مشبعة بالحشو غير المفيد، مناهج مخرجاتها لا تتناسب وتتماشى مع متطلبات سوق العمل، ولا تواكب متغيرات العصر، مناهج عشوائية للتعليم من أجل الحصول على الشهادة الجامعية التي تمثل شرطا من شروط الحصول على الوظيفة العامة أو الخاصة، ليصل الخريج في نهاية سنوات دراسته الجامعية دون أي محصلة، فالهدف كان الشهادة الجامعية وهذا ما حصل عليه وظفر به، وما زاد الطين بلة هو غياب افتقار بلادنا لمؤسسات البحث العلمي المنهجية التي تعمل على تقييم وتقويم التعليم الجامعي وضعف الإمكانيات التي تمتلكها وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والتي لا تكاد تذكر مقارنة بما عليه حال العديد من البلدان العربية وهو الأمر الذي يتطلب القيام بخطوات عملية ملموسة تسهم في تحريك المياه الراكدة في هذا الموضوع الهام .
مشروع الرؤية الوطنية لبناء الدولة اليمنية الحديثة يمثل الاستراتيجية الأكثر واقعية وعقلانية والأكثر والأقرب للتحقيق على أرض الواقع في ما يتعلق بالبحث العلمي، فلم تغفل الرؤية الوطنية لبناء الدولة موضوع البحث العلمي وتطويره وتحديثه والتشجيع عليه وزيادة الوعي المجتمعي بأهميته، حيث ركزت الرؤية من خلال محور الابتكار والإبداع والمعرفة والبحث العلمي، هذا المحور الهام (الذي يخاطب العقول والأذهان لمختلف الفئات العمرية التي تمتلك حق التعبير العملي على ما يمكن أن يقدموه من خدمات ملموسة وذات فعالية في الرقي بالمجتمع وتطوير قدراته)، حيث يهدف هذا المحور(إلى توسيع فرص المجتمع في الوصول إلى المعرفة التي تضمن تكافؤ الفرص، وهذا يتطلب خلق المبادرات الشبابية ودعم المؤسسات ذات العلاقة لرعاية الموهوبين وتبني أفكارهم وتجسيدها أفعالا وترجمتها إلى أرض الواقع بحسب أهدافها التي تم ابتكارها لتحقيقها) .
وبحسب الفريق الفني الذي قام ببلورة هذه الرؤية وتقديمها في صيغتها النهائية فإن (قدرات الشباب في الابتكار والبحث العلمي تعتمد على ما سيتم منحهم لمواصلة دراساتهم وما ستوفره الدولة والمنظمات والمؤسسات من دعم مادي ومعنوي، وهو ما سيسهم في تحريك الركود واليأس الذي يحيط بكثير من الموهوبين، كما أن تخصيص جائزة منفردة للبحث العلمي والابتكار سيخلق تنافساً بناءً من قبل الشباب الطامح وغيرهم ممن يمتلكون قدرات إبداعية)، والجميل في الرؤية الوطنية – في ما يخص البحث العلمي – أنها تضمنت سلسلة من الخطوات والإجراءات التنفيذية التي من شأنها تحقيق الأهداف المنشودة في جانب البحث العلمي وفي مقدمتها اعتماد سياسة وطنية للبحث العلمي بالإضافة إلى إنشاء صندوق خاص بالبحث العلمي بموازنة تليق بهذا الموضوع والعمل على استكمال إنشاء المكتبة الرقمية الكبرى لمساعدة الباحثين في الحصول على أفضل المراجع والإصدارات الحديثة بطريقة سلسة وميسرة ، والعمل على رفع حصة البحث العلمي من الناتج القومي وتكوين صناديق داعمة له على غرار الصناديق الملحقة العديدة كصندوق رعاية النشء والشباب وصندوق تشجيع الإنتاج الزراعي والسمكي وصندوق دعم المعلم وغيرها من الصناديق التي لا يقل البحث العلمي أهمية عنها، كما تضمنت الرؤية الوطنية توجهات تصب في جانب تطوير البنية التحتية ذات العلاقة بالبحث العلمي .
بالمختصر المفيد.. وزارة التعليم العالي والبحث العلمي معنية بالمقام الأول بتنفيذ ما يخص هذا الجانب في حدود ما هو متاح لها من إمكانيات بحسب الخطة المزمنة للتنفيذ، وأعتقد جازما أن واقعية ما تضمنته الرؤية الوطنية في جانب البحث العلمي ستجعل مسألة التنفيذ متاحة لدى الوزارة والمؤسسات التابعة لها إذا ما توفرت الإرادة وروح الإصرار على تجاوز الصعاب والعراقيل والعمل بروح الفريق الواحد من أجل الوصول إلى المستوى المنشود في جانب البحث العلمي، الذي بات اليوم يمثل معيارا يقاس من خلاله مدى إمكانية البلدان على النهوض والتطور في مختلف المجالات، باعتباره من العوامل المساعدة على الوصول للتخطيط السليم والعمل المتقن من خلال تمكين الكوادر المؤهلة التي تمتلك كافة مؤهلات النبوغ والعطاء والعمل المتميز في مختلف المجالات وعلى مختلف الأصعدة.
قلت قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ووالدينا ووالديكم وعاشق النبي يصلي عليه وآله.