«النصر ميعاده دنا» مع أن النصر يتحقق كل يوم في كل معركة يخوضها الجيش واللجان الشعبية، ومنذ بداية العدوان على اليمن، منذ الانطلاقة الأولى لمواجهته، إلا أن يحيى العطيف، وهو شاعر من قبيلة أرحب، يصور في هذه القصيدة النصر النهائي أو مجمل الانتصارات على العدوان الغاشم بما يؤكد وبإصرار عجيب وإيمان قوي أن اليمن يخوض معارك الشرف والبطولة انتصارا لمظلوميته واستحقاقه العيش الشريف بحرية بعيدا عن الوصاية وسعيا للاستقلال على كل الأصعدة، ويخوضها ضد الغزو الإمبريالي الاحتلالي الذي يحاول السيطرة على الشعوب ومنها الشعب اليمني لاستغلال ثرواته وبحاره وأجوائه وأراضيه.
«يا رجـال الــنــصــر مـيـعــاده دنا
وانـتـهـى حلم الغزاة الطامعين».
مع إحساس الشاعر بدنو النصر إلا أن حلم الغزاة بدخول اليمن، دخول الغازي المحتل، بيقين الشاعر، انتهى. هذه الحتمية، أي هزيمة العدوان مفروغ منها، وهذا ناتج عن ثقة بمرجعية إيمانية وتاريخية. ويعرف الشاعر سر انتصارات شعبه الممتدة منذ القدم، وهذه المعارك التي نعيشها جزء من سلسلة معارك خاضها شعب الأنصار كابرا عن كابر، لكن تعبير الشاعر بدنو النصر فيه دفعة تحفيزية للمقاتلين وهم أهل للحيطة بعمل الاحتياط وبحسية أمنية بأن المعارك لن تقف عند حد وإنما هذا الدنو من النصر لبيان قربه من قلب المقاتل اليمني كقرب المصحف من جيبه والجعبة من ضلوعه. هكذا هم الأنصار، قرناء القرآن، على أهبة الاستعداد وفي حالة متصلة من الشوق لجني الحصاد اليومي من الانتصارات.
«واشـرقـت مارب على صـرخاتـنـا
والتحالف عاد منكوس الـجـبـيـن».
بدون الخيال لا تتدفق كلمات الشعر ولا تتسلسل الأفكار، بالخيال بلازما الإبداع، وعبره تصل الصور الشعرية والمعنى البلاغي، لولا الخيال لما كان الاكتشاف العلمي والجمالي في كل المجالات الإبداعية، وفي الشعر كان الخيال أهم أدوات الشاعر وأهم مسالكه وأهم ممارساته وإدمانه. وفي هذه القصيدة الزواملية اتخذ الخيال منحى جماليا مميزا لدى الشاعر يحيى العطيف، «وأشرقت مأرب على صرخاتنا»، فاستعار الشمس للمكان، واستعار المكان للصرخات الناغمة في الوجدان، في جدلية مؤثرة متناغمة مع اشتياق الروح الباردة لإشراقة دافئة بالتاريخ والتراث على الإنسان الذي يعرفه والذي صنعه فيعود الأصل لأصله، لأن الحضارة العظيمة لا تقبل أن يمسها الغزاة والظلمة ولا الجهلة والمنافقون، وهي في انتظار الرجال المؤمنين لكي تشرق على قلوبهم وتتفاعل مع حناجرهم الصارخة بالمشاعر المقدسة والشعارات الحقيقية المتناسقة مع جمالها وجلالها واللائقة بتأويب جدران معبدها السبئي العالية، وارتفاعات جبالها الراسخة مع صرخاتهم الرجولية.
«والظروف اليوم تتهيأ لنا
باقتران النصر والفتح المبين».
نشر صديق على صفحته هذه العبارة: «فتح من الله ونصر قريب»، فقلت له: «الصحيح: نصر من الله وفتح قريب»، لأنه بدون النصر لا يمكن فتح المدن، وهذه قاعدة منطقية في الحروب، وأكدها القرآن الكريم، وقد استفاد منها الشاعر يحيى العطيف في هذا البيت بالبعد التكتيكي نفسه للحرب في الآية، والبيت عبارة تناصية مع الآية، وفيها إضافة جمالية بديعة هي الاقتران، الأمر الذي ينقل المتلقي إلى بعد ثقافي راسخ في الذهنية الشعبية الزراعية ومدون في القوانين الفلكية، وهي اقتران الشعرى اليمانية لموسم الخصب، وهو النصر في عرف الشاعر مؤداه التأييد الإلهي للمقاتل اليمني لكي يزرع جسده الطاهر في الأرض كقربان يرجو حصاد ثمرته بالفوز بالجنة لروحه والسعادة بالتقدم والازدهار لمجتمعه.
«بعد سابع عام لاستضعافنا
دارت الدنيا على المستكبرين».
في هذا البيت سنتعرف على سر ثقة الشاعر بالنصر، وأنه إضافة إلى معرفته بنجاحات الأنصار وفقا لقراءاته التاريخية، ووفقاً لقانون الكارما المتمثل بحتمية انتصار المظلوم مهما طال الزمن، إلا أن لهذا البيت أثرا ثقافيا قرآنيا يعود لقصة يوسف، في الآية التي تنتهي بقوله تعالى: «ثم يأتي من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون». وبهذا وبما قبله من القصيدة نتبين ارتباط الشاعر روحيا بالقرآن في صياغاته الشعرية، وأن القرآن بات بالنسبة له وأقرانه من المدرسة الشعرية القرآنية نفسها، بات كالهواء والماء والزاد ضرورة حياتية.
«من تعالوا بالطواير فوقنا
وافسدوا في الأرض ما هم معجزين».
والتعالي في الأرض حيثية مهمة لسقوط الطغاة سقوطا مدويا، وبأثر قرآني أيضا يتحرك الشاعر على رقعة الصياغة الشعرية المتماهية مع مجريات المعارك وكأنها تعيش أجواءها ومجرياتها أولا بأول، فالعلو الذي يثق الشاعر بأنه سبب هلاك غزاة التحالف وأرتال العدوان على اليمن هو ذاته العلو الذي وعد الله بإسقاطه في قوله تعالى «لتفسدن في الأرض مرتين ولتعلون علوا كبيرا». إن شاعرنا متماه مع إنجازات معاركه بالقدر الذي هو متشرب الأحداث القرآنية والتاريخية، فظهرت في معظم بناءاته الشعرية بشكل لافت وموجود في تكوين الشعر وفي بنائه خطوة بخطوة.
«كبرياهم صار تــحــت اقـدامـنــا
واصبحـوا في أرضهم مستهدفين».
بعد كل ذلك التجبر والطغيان على اليمن صار من الحتمي أن يمرغ أنف المعتدين في التراب، فضلاً عن أن أراضيهم صارت في مرامي صواريخنا وطيراننا المسير. إنه ناموس الله الكوني في الاقتصاص.
«لـم يــنــالــوا باسـلـحـتـهـم مننا
وانــتـزعــنــاهــا وكــنــا الغالبين».
بفضل الله نقاتلهم بعتادهم الذي نستولي عليه كغنائم، لأنا وبما لا يدع مجالا للشك الغالبون. هنا امتداد للأسلوب الشعري الذي يتميز به الشاعر يحيى العطيف، وهو تقاطع أو توازي الهاجس الشعري بالنسق القرآني بلا ترتيب مسبق سوى أن الثقافة القرآنية صارت جزءا من تكوينه الشعري، وألا مناص منها كمنهاج وأسلوب حياة، فالروح القدس بمعية المجاهد الذي يقف في صف الحق والحق الكامل، لأن النسبية لا سبيل لها في البينات الواضحات، وإنما تقع المفاهيم النسبية ضمن المشتبهات، وهيهات أن توضع أمور الدفاع عن الوطن والحقوق ومكارم الأخلاق في دائرة الشك.
«وانـــجـــز الــرحـمـن ميعاده لنا
سـبــحــوا واستغفروا يا مومنين».
بعد كل نصر ننجزه، بل ينجزه الله، لأن الله هو الذي سدد وهو الذي رمى، إذ يقول: «وما رميت إذ رميت ولكن الله رمى». ولنلاحظ الكم الهائل من تشبع الشاعر الوجداني بروح القرآن، فجاءت كل لبناته وبناءاته معجونة بالمدد النوراني القرآني، وعند ذلك لم يعد بد من السجود لله والتسبيح والاستغفار أيها المؤمنون، وأنكم وإن بلغتم هذا العمق الإيماني فإن عليكم بالاستغفار، لأن الصلصال الوجداني متخلق من «يا أيها الذين آمنوا آمنوا».
النصر ميعاده دنا
يا رجـال الــنــصــر مـيـعــاده دنا
وانـتـهـى حلم الغزاة الطامعين
واشـرقـت مارب على صـرخاـتـنـا
والتحالف عاد منكوس الـجـبـيـن
والظروف اليوم تتهيا لنا
باقتران النصر والفتح المبين
بعد سابع عام لاستضعافنا
دارت الدنيا على المستكبرين
من تعالوا بالطواير فوقنا
وافسدوا في الأرض ما هم معجزين
كبرياهم صار تــحــت اقـدامـنــا
واصبحـوا في أرضهم مستهدفين
لـم يــنــالــوا باسـلـحـتـهـم مننا
وانــتـزعــنــاهــا وكــنــا الغالبين
وانـــجـــز الــرحـمـن ميعاده لنا
سـبــحــوا واستغفروا يا مومنين
خـابـت الأعــراب وافـلـح سعينا
في سـبــيــل الله رب العالـمـيـن
بــعــد ابــو جـبـريـل قايد شعبنا
بـايـلاقـونـا رجــالاً ثـابـتـيـن
قــل لـمـن راهـن على استئصالنا
يـمـكـروا والله خـــيـــر الماكرين
يا تحالف نــــجــــد ذوقـوا باسنا
عـهــد لا ننسف عروش الظالمين
لو حــشــدت الـكــون كله ضدنا
والله ان العاقبة لـلـمـتـقـيـن
با نـــــواجـــهـــم بــــقـــــوة ربنا
والــنــفـــوس المطمئنة باليقين
لا سـيـادتـنـا ولا اسـتـقـلالنـا
بانساومها على الـمـسـتـعـمـرين
حـــرب لـومـا يـحـكـم الله بيننا
واثقين احنا بــنـصـره واثـقـيـن
ما لـغــيــرك تــنــحــنــي هاماتنا
جـــل شـانـك يا أمـان الخايفين
فـي رجــــــاك اتـعـلــقــت آمالنا
وانت مولانا وخـــيـــر الناصرين.
* نقلا عن : لا ميديا