الوعي السهل الممتنع في نهج المسيرة القرآنية مبني على أساس منهجي أزلي متين وصلب، مرتبط ارتباطاً تاماً مع سنن تغيير الله سبحانه وتعالى في الكون، وليس على أساس هش وتنظيرات تلميع فلان أو علان للوصول للسلطة السياسية. لهذا يؤكد وعي النهج القرآني أن السلطة السياسية فعل غير مطلق، بل يؤكد أنها عملية مقيدة بضوابط موضوعية، أهمها محددات الانتماء والولاء الإيماني والوطني والاجتماعي والثقافي والتربوي والسياسي والاقتصادي... إلخ، ويحتم فيها ضرورة الالتزام المنهجي والنظري للتحرك العملي وجدوى الفعل، لاستحقاق القدرة على استثمارها في إطار خطط وبرامج. بغير هذا تصبح السلطة السياسية وممارسة السياسة مجرد عملية استعراضية، تنتقل من خندق مشروع الوعي والقيم والمبادئ والالتزام بالمسؤولية، إلى اتباع خطوات الشيطان التي تؤدي لسقوط الإنسان والمجتمع والشعب والأمة في مستنقعات الجهل والعصبية والانتهازية.
عندما يكبر حجم اهتمام الجمهور المتورط في صراعات العصبية السياسية والمناطقية أكثر من المعدل الطبيعي، تأكدوا أن العدو وراء ذلك، وأن العدو في حضيض هزيمته، ويريد التعويض من خلال تشتيت جماهير الشعب الذي انتصر عليه. وهدف العدو هنا هو نشر العداوة بين أبناء هذا الشعب الذين اختاروا في لحظة ولاء إيماني أن يتمسكوا بدعوة الأخوة والتعاون بينهم. لكن للأسف لدينا فئات نخبوية مريضة، ما زالت غائبة عن المعركة الحقيقية التي يخوضها الشعب اليمني والجيش واللجان الشعبية اليمنية والقائد اليمني، معركة مواجهة تحالف دول العدوان والحصار والتطبيع، ففي كل مرة يتوحد أبناء شعبنا تقوم هذه النخب العليلة بتحويل طاقة جماهير الشعب اليمني إلى معارك وهمية مصطنعة، تشتت اهتمام الناس عما يستحق الاهتمام حقاً وهو التحشيد للجبهات التي تعلمهم كيف يقومون بنشر الوعي بهدى الله والتمسك بقيم كتاب الله وتنفيذ مشروع سنن الله في التغيير.
ألا تلاحظون أنه كلما بدأت شعوب الأمة الإسلامية باستيعاب منهجية الوعي بهدى الله التي جعلت الشعب اليمني يتفرغ لمواجهة دول العدوان والحصار والتطبيع، فجأة تعود نخب الجماهير السياسية والإعلامية والاقتصادية والفكرية لما كانت عليه أيام محاصصات الديمقراطية الأمريكية للأحزاب السياسية قبل 2014، لتشعل الصراعات المناطقية والسياسية والمهاترات الإعلامية من جديد؟! وهذا الفعل بحد ذاته هدفه واحد، وهو التسبب في شيء واحد فقط، هو تغييب الكفاءات والعقول الواعية بهدى الله من بناء الدولة والمجتمع المرتبط بمشروع أخلاقيات ومعايير سنن الله في التغيير، حتى يتم الإبقاء على أنصاف الرجال من السياسيين والاقتصاديين والمثقفين في السلطة.
كانت المشكلة قبل العدوان ومع العدوان هي أن يعرف الشعب اليمني ويفهموا ويقتنعوا أن هذه الحرب وهذا العدوان والحصار والتطبيع سببه هو منعهم من بناء دولة يمنية حرة ومستقلة تحمي وتبني على أسس ومعايير قرآنية مرتبطة بسنن الله في التغيير، تمنحهم العزة والكرامة. لكن مع استمرار أنصاف النخب في السلطة السياسية التي تفصل الدين عن الدولة، لا يزال سوق الصراعات والنعرات مفتوحاً على مصراعيه، لتجد في كل فترة أن الكثير من الناس لم يعرفوا، ثم أن يفهموا، فلم يفهموا، ثم أن يقتنعوا، فلم يقتنعوا، وعندما عرفوا وفهموا واقتنعوا أنهم أول المستهدفين من هذه الحرب وهذا العدوان والحصار والتطبيع، ويتوجب عليهم أن يتوحدوا على قلب رجل واحد لمواجهتهم، نجدهم فجأة ومن منشور فيسبوكي يتشتتون ويرفضون أن يتوحدوا.
يا رب هب لنا من أمرنا رشدا.
* نقلا عن : لا ميديا