واقع مجتمعاتنا أنها مستوردة لكل شيء مادي أو معنوي ومن ذلك الأزمات والحروب وهذا معناه أننا لن نتمكن من حل الأزمات أو إيقاف الحروب التي نستوردها، مصدِّروها وحدهم من يمتلكون القدرة على ذلك طبقاَ للمثل القائل :(لا يزيل السحر إلا من فعله).
ولمن يشغلون أنفسهم بعقد مقارنات بين روسيا والسعودية، واليمن وأوكرانيا نقول:
لا تشغلوا أنفسكم بمثل هذه المقارنات ، فأول شروط أي مقارنة هو وجود الشبه بين المُشبّه والمُشبه به ولا وجود لأي شبه بين الدب الروسي المفترس والبقرة السعودية الحلوب حسب دونالد ترامب !، ولا بين الرعاة سواء من حيث الحجم أو الموقع أو الشكل أو المضمون ، الجغرافيا أو التاريخ ولا بين الدول التي ولدت طبيعياً أو بعملية قيصرية ، الدول الطبيعية تمتلك القدرة الذاتية في الحفاظ على وجودها وإذا أرادت الغزو لا تحتاج لمن يدعم عدوانها أو يستخدمها في العدوان مقابل حلبها والعمل على إطالة أمد العدوان لتطول عملية الحلب ومع ذلك تبقى عاجزة عن تحقيق أهدافها من العدوان أو الغزو ، لأن ما تقوم به الدول المقتدرة كاملة السيادة نابع من تقديرها لقدراتها وقدرات من تعتدي عليه أو تغزوه ، والأمر الطبيعي أن لا يتعدى قيامها بذلك المدة التي تقدرها بناءً على دراسة وتقييم فإن لم تتمكن من تحقيق أهدافها في المدة المحددة فإنها ستدرك بالتأكيد أنها قد وقعت في ورطة وبناءً على ذلك ستراجع نفسها وتضع خطة للخروج منها وكذلك الأمر إذا كانت في حالة دفاع عن النفس فإن لم تفعل فإن القوى الفاعلة في المجتمعات الحية ستتحرك باتجاه وضع الحلول المعقولة مع التصدي للعدوان.
وحروب الدول المقتدرة مادياً وأخلاقياً لا تستمر طويلاً لأن قدرتها كفيلة باكتشاف المشكلات والحلول ووضع الخطط وتقليب الأوراق وتحريك الخيارات بعقل وشجاعة وبالقدر الكافي من الإحساس بالمسؤولية تجاه معاناة مجتمعها من ويلات الحروب والأزمات ، لأن النزاعات الدولية أو التي تُستخدم فيها الدول مطية إما أن تكون محكومة بالأنانيات والطموحات الفردية الغبية الفارغة وغير المبالية بمعاناة الناس ، أو أنها نتاج حالة دفاع حقيقي عن النفس ووعي بالمصالح المشروعة والممكنة التحقق ، ولا شك أن مسؤولية المعتدي في تقدير هذه المصالح أكبر من مسؤولية المُعتدى عليه ، ومقياس ذلك لا يكون بصورة آلية أي باعتبار من يطلق الطلقة الأولى في الحرب المباشرة هو المعتدي ، وإنما بمناقشة موضوعية مُتجردة للتحركات المُعلنة وغير المُعلنة للدولة التي تبدو شكلاً مُعتدية أو مُعتدى عليها ، وهل المُحرك للأزمة أو اندلاع الحرب محلي أم دولي وما العامل المحلي أو الحاكم المُسمى بالوطني سوى دُمية أو أداة لهذا الطرف الدولي أو ذاك.
ومن خلال قراءة الدور الأمريكي الصهيوني الأوروبي في ما يجري في أوكرانيا وفي اليمن وفلسطين والعراق وسوريا وأفغانستان وأمريكا اللاتينية وفي مختلف قضايا العالم منذ عقود نجد الإجابة واضحة بأن الإرهاب والعدوان وأزمات العالم صناعة وتصدير أمريكي بامتياز، هذا الاستنتاج لا يعني أن علينا بالمطلق رمي أسباب عجزنا وسوء تصرفنا وعقم ثقافتنا وعقائدنا وسياساتنا على الآخرين وإنما لكي نحاول معرفة ما يجري وما علينا عمله للخروج من هذا المأزق الذي لا ينبغي أن نلوم فيه سوى أنفسنا الخانعة الأمارة بالسوء أما روسيا فلها من يحميها ولا أظنها أقدمت على ما أقدمت عليه معتمدة على المنجمين والكهان.
ما أكثر التحليلات والمحللين العرب لما يجري في كل القضايا الوطنية والإقليمية والعالمية ، وما أقل الاستفادة من حقائق التأريخ والجغرافيا وحركة الكون والأرض والإنسان المترابطة ، أمة العرب من الخليج إلى المحيط ليس لها وزن في القرار الدولي ، إنها في موقع المتلقي أو المستقبل أو المستورد للعلوم ومخلفات منتجاتها ، إنها أكبر سوق للأوهام والعنتريات الفارغة ، وأكبر فقاسة للاستبداد والمستبدين باسم الدين أو القومية أو الأممية ، استوطنت بداخلها أمراض الطائفية السياسية بعنف وتمكنت منها سلبيات القبلية التي يفترض أنها سلمت الراية للدولة وليس العكس فلا يمكن لقبيلة ولا لطائفة أن تحكم دولة تفاقم العجز عن بنائها لسيطرة العقليات الجاهلية الجديدة المتحجرة على القرار في عصر لم يعد العالم قرية فقد صار في جيب ويد كل إنسان في هذا العالم.
نحلل ما يجري في أوكرانيا ونحن أحوج ما نكون إلى تحليل ما نعانيه من أمراض، لقد استعصى على عصاة الوطن البحث عن مقومات العدالة كمفتاح لبناء الدولة المدنية وحمايتها، وبداية البداية في علاقة اليمن مع السعودية وبقية الجيران الذين لا يحترمون الجوار أن يعي الجميع بأن روسيا ليست السعودية وأن اليمن ليست أوكرانيا وأهمية البحث عن استعادة الوعي المفقود لبناء دولة المواطنة المتساوية ؟؟!.
وطني تمزقه العمالة والخرافة والدَّجَل * ويعيثُ فيه المفسدون العابثون بلا وجل