بعد أيام من إعلان “مجلس القيادة الرئاسي” من الرياض، من المهم مقاربة الموضوع تاريخياً، قبل الخوض في مقاربته سياسياً، وتحليل الإعلان ومقاصده وأهدافه، إذ إن القوى السياسية اليمنية، قبيل أيام من الحرب على اليمن عام 2015، كانت تبحث في فندق موفمبيك في قضية تشكيل “مجلس رئاسي لإدارة البلاد، في محاولة للخروج من الأزمة السياسية التي كانت تعصف باليمن” آنذاك، وكانت على وشك الاتفاق على ذلك. وقال المبعوث الدولي الأسبق حينها، جمال بن عمر، إن ذلك “اختراق يمهّد الطريق نحو حل شامل”. وكان عبد ربه منصور هادي والمملكة العربية السعودية من أبرز الرافضين لهذه الصيغة.
وهنا أيضاً، من المهم التذكير بشهادة تاريخية أدلى بها المبعوث الأممي الأسبق، جمال بن عمر، في مقابلة مع قناة الميادين وصفها بـ “الحقيقة المُرة”، قال فيها: “إن اليمنيين كانوا يتفاوضون وعلى وشك الوصول إلى اتفاق. وفي هذا السياق، تدخّلت (السعودية)، وهذا ما عقّدَ الشأن اليمني، وتعمّقت التدخّلات الخارجية… وإن الدول الكبرى في مجلس الأمن تعاملت مع الحرب على اليمن كفرصة تجاريّة لعقد الصفقات العسكرية وبيع الأسلحة لـ(السعودية)، على حساب (اليمن) واليمنيين”.
إذاً، هادي ورباعية العدوان، بصورة محدَّدة (السعودية والإمارات والولايات المتحدة وبريطانيا) كانوا من أبرز الرافضين لفكرة “المجلس الرئاسي”. فلماذا، في هذا التوقيت، أعلنوا “تشكيل مجلس قيادة رئاسي”، ورحّبوا به وهلّلوا له، بعد سبعة أعوام من الحرب والقتل والدمار والحصار؟ ولماذا لم يتركوا لليمنيين، منذ البداية، أن يحلوا مشاكلهم بأيديهم، ويقرّروا مصيرهم بأنفسهم، بعيداً عن التدخل ومحاولة فرض الوصاية الخارجية.
الأهداف والمقاصد
الأعضاء الثمانية الذين تمّ تجميعهم تحت مظلة “مجلس القيادة الرئاسي”، لديهم خلفيتان عسكرية وأمنية، وخاضوا قتالاً مباشراً مع أنصار الله ومع سلطة المجلس السياسي الأعلى. وبالتالي، فإن هذا المجلس يمثل خطوة نحو توحيد الصفوف في المعسكر المعادي لصنعاء داخلياً، ويُراد له أن يكون مجلساً حربياً أكثر من كونه مجلساً سياسياً، أو الاثنين معاً. وحتى إن تضمَّن الإعلان أن من مهمّات هذا المجلس “التفاوض مع الحوثيين”، فإنما يُراد من ذلك اختزال صنعاء في مجلسها السياسي الأعلى وحكومتها، كجزء من منظومة أمنية ـ عسكرية قُسمت مناصفةً بين السعودية والإمارات من أجل خدمة أهدافهما مستقبلاً. وهذا، وفق تصوري، ليس مقبولاً لدى صنعاء. وموقف صنعاء واضح في هذا السياق، إذ عَدَّت الخطوة “محاولةً يائسة لإعادة ترتيب صفوف المرتزقة من أجل الدفع بهم نحو مزيد من التصعيد. وشعبنا اليمني ليس معنياً بإجراءات غير شرعية صادرة خارج حدود وطنه، من جهة غير شرعية لا تملك أي صلاحية، لا دستورية، ولا قانونية، ولا حتى شعبية، وصدرت خارج اليمن… واليمن ليس قاصراً حتى يهندس له الآخرون شكل دولته وحكومته، ويقرّروا له حاضره ومستقبله”.
قد يتساءل البعض أيضاً لماذا أُخرج هادي من عزلته المزمنة، لإعلان هذا البيان في هذا التوقيت، وفي وقت متأخر من الليل (قرارات السعودية تصدر عادة آخر الليل). وهنا، تكشف مصادر مقرَّبة من دائرة هادي نفسه أنه لم يكن على علم بالإعلان، في تشكيلته المعلنة، وأنه تم استدعاء المشاركين في “مشاورات الرياض” إلى الديوان الملكي، وتم عزلهم، بعضهم عن بعض، وأنه تم إجبار هادي على قراءة إعلان مكتوب ومُعَدّ سلفاً قبل انعقاد “المشاورات”، الأمر الذي يعني أن هادي وكل من حضروا إلى الرياض هم مجرد منصة لإطلاق مشروع سياسي عسكري لرباعية العدوان، يهدف إلى تنصيب عملاء الاستخبارات الأميركية والبريطانية والسعودية والإماراتية في واجهة المشهد، من أجل خدمة مشاريع هذه الاستخبارات مستقبلاً، بعد سبعة أعوام من الفشل، عسكرياً وأمنياً وسياسياً.
مجلس العملاء
لم يعد أمر التوليفة المعلنة وارتباطاتها الخارجية سراً على أحد، إذ إن رشاد العليمي على ارتباط تاريخي بالاستخبارات الأميركية والبريطانية والسعودية. وقبل ساعات من تعيينه، كان المبعوث الأميركي إلى اليمن، تيموثي ليندركينغ، عقد لقاءً معه بخصوص مشاورات الرياض، كما أن تاريخه أسود، إذ عمل في بداية الحرب على رفع إحداثيات أهم المعسكرات والمواقع الحساسة في اليمن إلى دول التحالف بهدف قصفها، وفق شهادة أدلى بها علي عبد الله صالح. وهذه الشهادة، إن صحت، فإنها تمثل “خيانة عظمى”. وبالتالي، فإن المكان الذي يستحقه رشاد العليمي هو السجن والمحاكمة، لا أن يتصدّر المشهد اليمني، سياسياً وعسكرياً.
النقطة الثانية أن طارق محمد عبد الله صالح (ابن شقيق علي عبد الله صالح) وعيدروس الزبيدي وعبد الرحمن أبو زرعة مرتبطون، بصورة علنية، بالإمارات. كما أن سلطان العرادة وعبد الله العليمي وعثمان مجلي وفرج البحسني مرتبطون، على نحو معلَن، بالسعودية واستخباراتها، وبعضهم يعمل لحسابها منذ حروب صعدة.
وبالتالي، فإن الغرض من هذه التوليفة هو إعادة إدماج الإمارات وميليشياتها، بصورة فعلية، في المشهد، ومحاولة منحها “الشرعية”، بتوافق سعودي، من أجل تخفيف حدة الاحتقانات التي كانت قائمة في ظل فشل “اتفاق الرياض” في تحقيق هذه الغاية؛ بمعنى أن الهدف من هذه الصيغة هو توحيد ميليشياتها المتشظية تحت مظلة سياسية موحدة، تحظى بالدعم، مادياُ ولوجستياً، من أجل هدفين أساسيين:
– فرض إملاءت الخارج عبر الحرب من خلال توحيد جهود الميليشيات للتصعيد ضد صنعاء.
– تهيئة فريق مفاوض مناصفة بين السعودية والإمارات، بهدف “يمننة” المشكلة، على فرضية أن المهندس يخطط من أجل تمديد الهدنة الأممية، مع أن مؤشرات نجاحها وتمديدها ضئيلة جداً، في ظل تعثر بنودها، سواء ما يخص السفن أو الرحلات الجوية عبر مطار صنعاء.
إسقاط “المرجعيات والشرعية المزعومة”
رباعية العدوان، وفي مقدمتها السعودية، أرادت من الإعلان تقديم نفسها وسيطاً، لا ناقة لها في الحرب ولا جمل، من أجل الهروب من تبعات الحرب واستحقاقاتها. وما لم تدركه الرباعية أنها، في هذه الخطوة، أنهت فعلياً ما تصفه بـ “المرجعيات الثلاث”، ونسفت القرار 2216، وأسقطت شماعة “الشرعية” التي ظلت تقتل اليمنيين بحجة “إعادتها والدفاع عنها”، طوال سبعة أعوام. على أن من المتوقع أن تعمد الرباعية، بعد بيانات الترحيب الصادرة عنها، إلى منح “مجلس العملاء” شرعية دولية، عبر الاعتراف به، ومحاولة شرعنته في المؤسسات الدولية.
الخلاصة، التي نريد الوصول إليها، هي أن رباعية العدوان ليست في وارد السلام. ولو كانت جادة في ذلك لتركت لليمنيين، قبل حرب الأعوام السبعه، حقهم في تقرير مصيرهم، ولَكفَّت يد التدخل ومحاولات فرض الوصاية الخارجية.
ولو كانت جادة اليوم لسارعت فوراً إلى رفع حصارها، وإنهاء عدوانها، وسحب كل قواتها من اليمن، من دون قيد أو شرط، من أجل تهيئة الشروط اللازمة للسلام.
المصدر : الميادين