من يتابع الشأن العام اللبناني لا يصعب عليه إدراك الدور الذي يقوم به حزب الله في مقاومة مخطط العدو الصهيوني وداعميه وفي المقدمة أمريكا وبريطانيا والسعودية أبرز ممولي مشاريع الفساد الإقليمي والدولي ، وأي مراقب محايد ومنصف يرى بوضوح عزوف هذا الحزب عن السيطرة على الحكم في لبنان والاستئثار بالسلطة أو حتى الاهتمام بالمشاركة فيها عدا بعض التواجد الذي يمكنه إلى حد ما من مراقبة أو تعطيل ولو بعض المخططات والخطوات التي تقدم عليها الحكومات اللبنانية المتعاقبة أو تقف موقف المتفرج أمامها ، وأغلبها حكومات أثبتت الأيام أن وظيفتها تنفيذ سياسات لا تخدم مصلحة لبنان بل وترويج للمقولة البائسة : (قوة لبنان في ضعفه) لتكون القوة والفاعلية لعناصر الفساد الحاكم وتكريس حالة الضعف العسكري والأمني التي غطى ويغطي سوءتها حزب الله منذ أجبر الكيان الصهيوني عام 2000م على الانسحاب من جنوب لبنان وألحق به الهزيمة في عدوان 2006 الذي شنه هذا الكيان على لبنان وبالذات على الضاحية الجنوبية وجنوب لبنان انتقاماً لما جرى في عام 2000 ، والتصدي المستمر لكل سيناريوهات العدوان الصهيوني بكل صوره وأشكاله العسكرية والأمنية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية.
ما يتعرض له حزب الله إنما هو مثال على وجود جبهة مفتوحة ضد قوى المقاومة والديمقراطية والتعايش والسلام لأن هذا الحزب أثبت بالسلوك والممارسة أنه أفقه إنسانيا وأنه لا يتكسب من السلطة ولا مهموم بها ولا يمارس الفساد منفرداً أو بالشراكة مع أحد ، رموز وأدوات هذه الجبهة المفتوحة يحتلون مواقع هامة في السلطة اللبنانية مكنتهم من إحباط العديد من محاولات تغيير حاكم مصرف لبنان وزحزحته من موقعه رغم اتهامه بكثير من قضايا الفساد ويصفه البعض بأنه الصندوق الأسود لكثير من قضايا الفساد المالي وتهريب أموال لبنان واللبنانيين للخارج ولهذا يتم عرقلة إجراءات التحقيق معه وكأنه بالفعل حاكم بأمره !؛
هذا هو حال كثير من البلدان التي ترفع شعارات مكافحة الفساد ويبقى الفاسدون في مواقعهم ثابتون ثبوت الجبال الرواسي ومن يعارض فليضرب رأسه في جدار التسلط المقدس أو يشرب من البحر ، ومن العجائب أن كل هذا الاستهداف الممنهج يقابله حزب الله بالمزيد من السعي لمحاولة إخراج لبنان والشعب اللبناني مما يعانيه من أزمات طاحنة ويكرر باستمرار استعداده بالفعل والممارسة وليس بالأقوال والشعارات استخدام علاقاته بإيران التي يعلنها بوضوح وثقة وهو محق لأن إيران ليست عدوا والعلاقة معها ليست تهمة التهمة يجب أن توجه لمن له علاقة مع الصهاينة والمطبعين معها سراً أو علناً ، إيران لا تحتل أجزاء من اليمن أو لبنان أو فلسطين ولا تقيم قواعد أمريكية على أراضيها وهي دولة أصيلة وجار وليست دولة طارئة أو قائمة على أراضي الغير التاريخية والعلاقات بين الدول يجب أن تقوم على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة وليس على الارتهان والتبعية ، ويستثمر حزب الله علاقاته مع إيران لصالح الشعب اللبناني لتقديم مشاريع مجانية أو بمقابل رمزي ، وكل اللبنانيين الشرفاء يشهدون بأن الحزب في مناسبات عديدة قدم ويقدم البترول والديزل لمستشفيات ومنظمات وهيئات يستفيد منها الفقراء دون تفريق بين أن يكون المستفيد شيعياً أو سنياً أو مسيحياً أو من أي انتماء ، عمل الحزب ويعمل مؤخراً بكل جد على الانتقال إلى المقاومة الهجومية إن صح التعبير كخيار له أبعاد استراتيجية آخر تجلياته تهديد السيد حسن نصر الله باستخدام القوة إذا ما استمر الكيان الصهيوني (إسرائيل) في التنقيب عن الغاز والنفط في حقل كاريش الحدودي بين لبنان وفلسطين المحتلة واستخراجه مؤكداً في خطاباته ولقائه الأخير مع الأستاذ غسان بن جدو -صاحب ورئيس قناة الميادين في 25/ 7/ 2022- أن الحزب والمقاومة لن يسمحا لأي كان بالتنقيب في المنطقة ما لم يتمكن لبنان من التنقيب واستخراج نفطه وغازه محملاً الحكومة اللبنانية مسؤولية أي تفريط في حقوق لبنان.
هذه الأعمال الوطنية والإنسانية الجهادية لحزب الله التي لا يجني منها أي مصالح شخصية له أو لقادته تستفز قوى الفساد الاقتصادي والسياسي والأخلاقي المحلية والإقليمية والدولية فتحاول بواسطة بروباغندا قوى الفساد والاستبداد تحويلها إلى جرائم يستحق عليها الحزب التشكيك في انتمائه الوطني والقومي وكأن الهوية والانتماء رهن إرادة المطبعين مع الاحتلال وقوى الظلم والفساد والمتقوقعين المحنطين بكل تفرعاتهم وأغطيتهم ولبوسهم الدينية أو السياسة.
المتلاعبون بالعقول والهويات من سلطات وأحزاب تعمل على تحويل المجتمعات إلى قطعان، لكن كلمة الحق والإنصاف تقتضي القول بأن حزب الله وقائده الفذ لا يشبه أياً من هذه الأحزاب والكيانات المتكلسة التي يحكمها قادة مصابون بعمى الجهل والتجاهل أو الغرور يعيشون حالة من الغيبوبة السياسية بل والدينية والأخلاقية لا تمكنهم من رؤية ما تعانيه الشعوب من ظلم واستبداد ونهب للأموال والثروات وثفلت في فرض الجبايات دون أية ضوابط قانونية أو أخلاقية.
حزب الله وأنا أزعم أني أتحدث من موقع محايد نموذج مختلف تماما عن كل النماذج التي تملأ حياتنا بؤساً ومعاناة، إنه نموذج منطلقه مذهبي واضح لكنه لا يسعى لفرض مذهبه على أحد، شيعي لا يشبه الشيعة ولا السنة ولا أي دين أو مذهب.
إن من المعلوم بداهة في كل دول العالم أن السلطات الوطنية إذا ما تعرض الوطن لأي مخاطر هي من تدعو الشعب لتشكيل مقاومة تدعمها في الدفاع عن الوطن وسيادته وصون حقوقه المشروعة وهي من تمولها أما أن يقوم حزب بواجبات السلطة وفي المقابل تتآمر السلطة عليه وتطعنه من الخلف وتشكك في هويته فهذا والله بكسر الهاء ما ليس له مثيل في التاريخ.
بالفعل يغدو الحزب والفردُ أمةً وليس بما يحلو من الكلمات.