لطالما كُنْتَ في قلوب اليمنيين رمزاً للمقاومة العربية والإسلامية وَقائداً شجاعاً وَمحنَّكاً في زمنٍ نَدُرَ فيه القادةُ الشرفاءُ والأحرار، وفي توقيتٍ طفت على سطحِه وعلى مقاليد سلطته أسماءٌ لا يَنُــمُّ على وجودها اسمٌ ولا لونٌ ولا لقبٌ كما يقول البردوني في مرثيته الشهيرة.
لقد جئت من زمن المجد.. لترسُمَ على الحاضِرِ المنكوبِ بصيصاً من عِــزَّةٍ وَكرامة، استدعاك اليمنيون في صلاتهم ودعائهم مع كُـلِّ نكسة جديدة كانت تضافُ إلى روزنامة النكسات المتوالية على الأُمَّــة.
ثم وجدوك في ذروةِ الحربِ التي خضتَها أنت إلى جانب رجالِ حزبِك ضد العدوّ الصهيوني قبل ستةَ عشرَ عاماً، وقبل أن توجّـه بصرَك إليهم، كانت الأبصارُ إليك شاخصةً في كُـلّ ظهور، تحُفُّك القلوبُ بالدعوات، وَتستعذبُ منك الأقوالَ وَالأفعال، لقد تضامن اليمنيون عُمُـومًا معك يا سماحةَ النصر كما لم يتضامنوا مع أحدٍ، وكان في قولِك اللهجةُ التي عزت وَفي فعلك الأملُ الذي طال انتظارُه.
لا زلتُ أذكُرُ كيف تزيّنت المركَّباتُ وَالدواوينُ والمجالسُ بصورك البهية، وَكيف نافست رايةُ الحزب الصفراء ألوانَ العَلَمَ اليمني في الطرقات وعلى أسطح البيوت، ربما فاتك ذاك المشهدُ الذي لم تنقلْه الشاشاتُ المرتهِنةُ للجوار في تلك المرحلة، إضافةً إلى أنك كنتَ في ذروة انشغالك بصناعةِ النصر وَباجتراح المعجزات.
لم تخذلهم، حين انتصرتَ للبنان وَللقضية وَللتاريخ، واستعدتَّ الأرضَ والقرار، وما راهن اليمنيون يوماً إلَّا على الرجال الذين لا يفقهون لُغةَ التراجُعِ والتخاذل، وَحينها كان النصرُ في جنوب لبنان والأفراحُ في مُدُنِ اليمن، وكان الحديثُ عن عودة شَبْعا وبنت جبيل في المقايل.. كما لو أنها عودةٌ لجيزان ونجران وعسير إلى حاضنةِ الوطن.
وما خاب الظَّنُّ فيك لدى اليمنيين مجدّدًا حين دارت الأيّامُ وَتكالَبَ العالَمُ على هذا الشعب في أوسع وَأبشع حربٍ عدوانية شُنت عليهم، فقد وجدوك حاضراً بينهم على امتدادِ سنواتِ الحرب تشاطرُهم بالكلمةِ والدمعةِ مراسمَ التشييع وَتباركُ لهم بالكلمة والابتسامة معادلاتِ النصر، كاسراً لجدارِ العُزلة صوتاً وَضميراً، بل وجندياً جاهزاً للمشاركة، وَأيُّ كَرَمٍ مثلُ هذا الذي تلقاه منكم اليمنُ وأهلُه في زمن اللؤمِ والنفاق.
يا سَيِّدَ المقاومة: من اليمن عليكم السلامُ ولكم كُـلُّ الامتنان والشكر وَصادقُ الدعوات.