جمهورية عبدالحفيظ الخزان .. تأملات في فهرس أوجاع الوطن المسافر
مداخلة:
على غرار القارئ الضمني وهو ما يضمره المؤلف أثناء كتابة النص، سنفترض أن ثمة: الكاتب الضمني.. ويعني مدخلات أو أجواء المؤلف أثناء كتابة النص كأن يستمع لأم كلثوم أو المنشاوي أو يكتب وهو جائع أو مرعوب أثناء تأليفه النص فينعكس ذلك على النص..
الكاتب الضمني قد يفسر ما نسميه في النقد الثقافي النسق وقد يصور مفهوم النص العميق مجيبا على تساؤلنا: هل يمكن أن يكون هناك نص ونص عميق على أي غرار.. يمكن أن يصح ذلك.. لأننا أحيانا نكتب مفهوما من وعي متراكم ونضع له تسميات. في حين أنه قد يكون محفوظا عن مقروءات سابقة في اللاوعي.
أحاول برؤية بنيوية في هذه الجزئية إبراز شخصية النص من خلال دلالات العنوان والقافية واختلاف مناخاته وطول وقصر تفعيلاته.. ليس شكليا بالضبط ولكن محاولة للكشف عن خبايا النص من خلال ملامحه.. وبصورة أقرب.. سيميائية النص وتبايناته ونسبيته بقصد ملامسة مواضع الجمال فيه وأيضا نظرة سيمترية تعنى بالمعنى الجمالي من خلال قراءة موائمة للمسافات البيتية وأبعادها العروضية وتساوي الصدر والعجز. ولا أريد أن أقف على اتجاه واحد في هذا المقال وحول أشعار عبدالحفيظ الخزان تحديدا لأنها تحتاج أكثر من أسلوب وأداة.. لكونها زاخرة بالمفاهيم التي ينضح بها ديوان أوجاع الوطن المسافر. لا بد من النظر إليها من عدة اتجاهات لأن ثمة نصوصا يكفي أن تسلط عليها ضوءا واحدا.. كأن تقرأها معادلا موضوعيا وأخرى تخضعها لنظرية النقد الثقافي والبعض لا بد أن تكون تفكيكيا وأن تمنحها جانبا من حس التلقي. عليك أن تقتل المؤلف حينا وحينا تقتل النص وحينا آخر عليك قتل المتلقي.. لكي تهيمن على جمهورية الشعر المكتظة التي بين يديك.
الفهرست من منظور سيموطيقي وإن كان آخر صفحات الكتاب إلا أنه عتبة وشيمة العتبات جميعها أيا كانت وأيا كان موقعها تؤدي إلى مضمون النصوص.. حتى لو كانت «الإهداء».. أو «الهامش».. فكل العتبات تؤدي إلى النص.
التنوع الذي حفل به الفهرست هو صورة للتعدد والتنوع في ذهن المؤلف ويشكل أو هو صورة للعقل اليمني الذي يشبه اليمن بتنوعه الجغرافي والمناخي وثرائه التراثي وامتداده التاريخي.. وتنوعه الإنساني والثقافي.. هنا باختصار جمهورية الخزان صوت الجمهورية الناطق بالأهداف الـ«ما فوق شعرية».. على كل الصعد.
من خلال الثراء التنوعي في الفهرست.. الخزان يكاد لم يترك في الوطن المسافر شيئا إلا أورده في الديوان.. وهنا يتناص في مضمون العنوان مع محمد المنصور في «سيرة الأشياء».. ففي كليهما محاولة لاستيعاب معنى الحياة في كرسي شعري واحد.. مع فارق البناء الشكلي للقصيدة.
التشخيص سيموطيقيا ممكن على عدة حالات.. يمكن من خلالها دراسة شخصية الأفراد والمجتمعات والنتاجات الفكرية والفنية والمسرح. فعلى صعيد المثال وقد نقيس عليه فهرست الخزان كمسرح دلالي لوعيه الشعري. صورة السلطة العميقة في مسرح أم كلثوم هي وفرقتها يعكس شخصية السلطة المصرية في عهد جمال عبدالناصر.. وأن ثمة سلطة ديكتاتورية تمثلها أم كلثوم المتحكمة في الفريق الفني كرمز للفريق السياسي والهيمنة على الجمهور الذي يمثل رمزا للمجتمع المصري. وفي هذا النص انعكاس لانكسار في مسار تأويل الشعار بما توحيه القافية.
هذه القراءة منطلقة من نظرية العتبات النصية.. وهي محاولة لتلمس أبعاد النص الجمالية.. من ثلاث عتبات: العنوان العام والعناوين الخاصة والفهرست.
على اعتبار أن الفهرست عتبة نصية مهمة فهي الخارطة السياسية للديوان.. وعلى اعتبار أن الديوان مجسم لجمهورية النصوص.. وصورة نسبية لنفسية الشاعر الحاكم.. وجغرافيا تصوراته الشعرية.. واهتمامنا بهذه العتبة نابع من إحساس حقيقي بأن الفهرسة فن إبداعي مواز كامل للنص ولست أعني الفن المكتبي.. ولكنه جزء من عملية النظم الهندسي للمشروع الشعري الكامل.
الفهرسة كفعل إبداعي تكميلي من عدة مناظير فلسفية بمنظور أدبي ظل النص. وبمنظور معرفي اللطيفة وبمنظور أخلاقي الحكمة.. وبمنظور ديني الإحسان.
لا أدري إن كان قد طرق أحد ما الفهرس كعتبة نصية فأضمن مما لديه مع الإشارة إليه لكن حتى وإن فأنا كسول ومستبعد فكرة البحث العلمي.. وعصامي يغلب عليه الاعتماد على سواعد ذاتي.. ومتمرد لا أحب أن أطرق المطروق.. إلا في حالة وجدت مطروقة جديدة.. ألتقط الفكرة ولا أقتبس من متونها.
عناوين مثخنة بالجراح والآلام وبالنهدات والتأوهات والبكاء والأطلال والآمال.. لكن وإذ هي كذلك هي تنضح بالحياة والبهجة وبالأهازيج والأنغام والفولكلور والحكمة والإيمان والتصوف والتفلسف والقوة والحرب والفنون والأدب. لذلك يمكن التعرف على شخصية الفهرست المتنوعة من زوايا مختلفة فالمرأة في جمهورية الخزان حاضرة من خلال العناويـن: ميمونـــــة، ميس، خولة، أصيلة، رنا الجماعي، ماما حمدة، مدامع الخنساء، حكاية جدتي.
الرموز الوطنية والريادية في الثورة والنشاط الإنساني والاجتماعي في العناوين: الشاعر جحاف، قال ابن خزان، أبو جبريل، إسماعيل الوريث، شهيد المنبر المرتضى بن زيد الحسني المحطوري، الدكتور محمد عبدالملك المتوكل، الدكتور عبدالكريم جدبان، الدكتور أحمد شرف الدين، عبدالكريم الخيواني في ذكراه، شهيد المنبر، عبدالغني الحمزي، وليد السامعي، أسامة، عبدالقوي الجبري، المنصوري رفض الذلة، زيد ماذا يعني، نيلسون مانديلا، صمادية الشهيد، جامع أسرار الربيين، رجال ميدي.
شخصيات عالمية لها دور في الفساد والإرهاب والحروب: أوباما، محمد مرسي، السيسي، جاك يا سلمان، سلمان، الرشيد المبرمك، ذو نواس العسكري, سميع، هادي رقم، قصر اليمامة، قطر، ملوك مماليك، ملوك العار.
عنوانان هما: «جريمة الرقاص»، «جريمة النهدين».. يعكسان شخصية الشاعر الخزان المتسامحة والمنصفة متمثلة في حضور متناقضات وفي ظل مبدأ عدم التناقض طبعا.. ينبثق منها جماله الروحي ونقاؤه.. ففي حين يدين جريمة الرقاص وهي مجزرة قام بها طيران العدوان السعودي في صنعاء شارع الرقاص.. هو أيضا يدين جريمة النهدين وهي مجزرة قامت بها جماعة الإخوان بقصف جامع النهدين الذي استهدف علي عبدالله صالح رئيس النظام السابق ومرافقيه.. هنا يبرز لدينا المعنى الحقيقي للشاعر المتزن.. ذلك الشاعر صاحب قصيدة «كافي علي كافي» التي تدين ظلم علي صالح وتطالبه بالنزول عن كرسي الحكم.. هو ذاته صاحب قصيدة التنديد بجريمة النهدين.
عناوين تظهر فيها شعرية المكان وحنين وأنين وأوجاع الوطن:
القدس وبوصلتي، ليبيا، دمشق، حلب، مملكة القات، جبل الخذالي، فوق رصيف الحارة، تعز، صنعاء، ظلمة صنعاء، وطني، وطني وسر الله، وطن بلا وطنية، تلك مواطني، بلاد الخير، الناس في مدينتي، بلادي كل آمالي، لا أرى بلدا سواها، ضيعوها، حصن الشرف، أجابوا الساحل، ميدي.
الشعر في زمن الأوبئة والحروب في العناوين: كورونا، مرض السكري، لماذا جرحتم، جراح أشاوس، مواسم الشهداء، أطفالنا والمليك، قتل وحصار، طائرة ولعنات، قصفوا النساء، قلق وعلة، موطن مضرج، ذبيحة، ذكرى ومآتم، أبناؤنا تفحموا، حياتنا شقاء، حجم الإصابة، الحزن صاحبي، إن السماء تغيرت.
عناوين الجمال والحب والقيم: الشعر، الشعر الشعبي، فيروزة الشعر، هي الجمال، إبداع فوضى، عيناك، سفر الأمنيات، كأنك أبجديتها، غصون الزيزفون، الأخلاق أساس، الجميلة، ترويض الذات، لا أدري، وجه حبيبتي، مساء الخير، سلني، صديقي، قلم، هو الدواء.
عادات وتقاليد وتدين شعبي وفلكلور وكوميديا وميثيولوجا في العناوين: عورة، مهما غضبت، قرار، أمام مقبرتين، قامة العنقاء، معادلة، مهامسة، تولى الصحب، وما طن طن، واقع حالي، فرائس الذيب، منجزات، الإذلال عادي، ساسة، واصل دربك، اسكت، الانقسام، هجوم المحبة، بامتياز، داء التعصب، قطة، همر، بين الهوى، لا ألوم الشيخ، الشيخان، هنجمة، إن القبيلة مصحف، لماذا، الأمن القومي، على رسلك، باسمها واليت، قف هنا، ثورتنا أخلاق، اغتيال الدولة والقضية، رفاق الليل، يكفي بلادة، ألعوبة، استقالة، تشاعيب، خنثى، جيوب مصالح، جي جي.
سياسة أيديولوجيا إدانة رفض وحقوق وحريات وربانية وأنثربولوجيا وزخم جماهيري وحضور في قلب القضايا... في العناوين: فرقة الدروع، أمر من السفارة، فتن السياسة، مؤتمر الحوار، طريقة العرب، للشعب اختيار، علمونا الظاهرة، الصنم الأكبر، الشباب مبارك، الإسلام كرسي، العقيد، في دار ندوتهم، القاتل الأول، الكذوب المدعي، يا شعب قاوم، لك الأمن، نوابنا، كالفأر فر، عورة، يبغونها عوجا، يضحك العرب، كائن عربي، فوضى الزعماء، حقد العروبة، دون زنارة، خمس عبارات، مهازل أمة، يا هذا الكون، لواء الأحرار، كائن عربي، سليل العدم، السنة، العابثون بموطني، أخي العدو، من سواكم، عليك الدائرة، إرادتي وجارتي، إلا اليماني، بداية الملك، أرهبونا، السبع العجاف، تصنيف، قال كونوا، الأصل العريق، إلا يمنا، مع احترامي، هم لفيف، يا بن شعبي، خاء التفاؤل، نعم سنحج، اللقطاء، أقوى اعتماد، سكوت الأموال، ديمقراطية أمريكا، كلاب وطنية، لنا الرحمن، خلق الفرسان، أبناء أبيهم، ذنب، العالم المتواطي، ولو فشل الحوار، الله أكبر، هو الله، للنصر أسبابه، لن نهزما، رجال الأمن، بأيدينا، أوهام ودناءة، طرطورة، مجلس الأمن، جلال وهيبة، صفوة الصفوة، براءة واغتيال، أوباش شتى، فاضي، يا ويلتي، أنا وأنتم، غرد.
* نقلا عن : لا ميديا