من الواضِحِ أن التراتبيةَ القياديةَ والإدارية في المدارس الإدارية الحديثة تلتزمُ مبدأَ التسليم، وتسمِّيه الانضباط، ودقة التنفيذ، وغير ذلك، وبات واضحًا أن الدول والشركات والمؤسّسات الناجحة هي التي تنفّذ قراراتِ رؤسائها الصائبة بالشكل الدقيق والحازم.
وقبل أن نخوضَ في معنى التسليم ونعملَ على تبسيطه وتوضيحه أكثر، أوجِّهُ بعضَ الأسئلة التي تشير إلى خطورةِ عدم التسليم للقيادة.
س: لماذا هُزِم المسلمون في معركة أُحُد، ولحقتهم هزيمةٌ نكراءُ في ظل وجود أكرم الخلق على ربه بينهم؟
ج: لأَنَّهم عصَوا وتنازعوا، ولم يسلِّموا لتوجيه قائدهم النبي بالبقاء في الجبل.
س: لماذا خالف كثيرٌ من الصحابة رسولَ الله في توجيهاته المتكرّرة بشأن حديثِ الولاية، فرجعوا على أعقابهم القهقرى، وسيقول لهم يوم القيامة: (سحقاً سحقاً لمَن غيّر بعدي)، وأدخلوا الأُمَّــة في حَيْصَ بَيْصَ من ذاك اليوم إلى يومنا هذا؟
ج: لأَنَّهم لم يكونوا يسلّمون لرسول الله، وكانوا (يقدحون) من رؤوسِهم خلافاً للنص.
س: لماذا خالف أصحابُ الإمام علي، وأجبروه على قُبولِ التحكيم، وتركوا قتالَ معاوية، وقد كانوا من النصر قاب قوسين أَو أدنى؟
ج: لأَنَّهم لم يكونوا يسلّمون للإمام علي، وكانوا يجتهدون من عند أنفسهم، وكانوا يكثرون عليه من الاعتراضات، والتلوي والمناقضة.
س: لماذا أدالَ اللهُ من أهل العراق أهلَ الشام؟ فانتصر الشاميون بقيادة معاوية، بينما سُحِق العراقيون تحت أقدامهم؟
ج: لأَنَّ العراقيين لم يكونوا مسلّمين لقيادتهم ولو كانت على الحق، بل كانوا أصحاب وجهات نظر مخالفة لقيادتهم، وتكثر في أوساطهم الأنظار والاعتراضات والتشكيكات، بينما كان الشاميون مسلِّمين لمعاوية.
وعلى هذا..
فالتسليم للقيادة مسألة مفروغة منها في كُـلّ الأدبيات الإدارية والقيادية المعاصرة، ولن تستقيم حياة دولة ولا مؤسّسة ولا حتى بيت واحد منا إلا بذلك.
والتسليمُ هو الطاعةُ التي أمرنا اللهُ بها لأولي الأمر، وليس شيئاً آخرَ، الطاعة لهم في الواجبات التي يلزمنا القيام بها، وفي ما أمرونا به من توجيهات، وكذلك في ما يتخذونه من قرارات قد تختلف أنظارنا فيها، إذ لا بد من الحسم فيها.
مثلاً أنا أرى أن لا يتمَّ تمديدُ الهُـدنة بأي حال من الأحوال، بينما ترى القيادةُ أفضليةَ تمديدها، ففي هذه الحالة ينبغي أن أسلِّمَ للقيادة؛ لأَنَّ القيادةَ مثل رجل يقف على رأس التل، ويرى الحيثيات من كُـلّ جهة، بينما أنا في الوادي لا أرى إلا حيثيةً من جهة واحدة. ومن يعلم مقدم على من لم يعلم.
قد أستند في رأيي بعدم التمديد بأن:
– الهُـدنة هذه حقّقت لأمريكا وللسعوديّة بعضَ الأهداف الاقتصادية والسياسية و…!
– ولم تحقّق للشعب شيئاً.
بينما القيادة قد ترى من خلال الإحصائيات والبيانات التي جمعتها، وبين يديها، أن:
– تمديد الهُـدنة خيارٌ أفضل لمواصلة التحشيد، والاستعداد.
– وإجراء مزيد من الدورات للقيادات، والكوادر.
– وتهيئُ الفرصةَ لصناعة مزيد من الطائرات والصواريخ.
– وأنها تمكّن المعنيين من التحَرّك العسكري والتخزين للسلاح بالشكل الجيد، – وقد ترى القيادة أن هناك حاجة لإراحة الجنود والمقاتلين.
– وأن العسكريين أنفسهم يوصون بذلك، وووو، مما لا أعلمه.
فإذا أصررتُ أنا على رأيي بضرورة عدمِ تمديد الهُـدنة، واشتبجت، وبدأت أصدّرَ التهمَ بالعجز، والخيانة، من فوق كيبورد حاسوبي فهذا يعني:
– أنني نصّبتُ نفسي قائدًا بجانب القائد، وبدأت أرى أنفي أكبر من أنف أي واحد.
– وشاققت من له الأمر.
– ورأيت في نفسي من العلم والمعرفة ما يعني تجهيل القائد، واعتبار حيثياته باطلة.
– بينما حينما أسلّم له وأطيعه فهذا لا يعني أن القائد يعتبر ما لدي من معرفة وحيثيات باطلا؛ لأَنَّه قد رآها وقرأها ودرسها ضمن الحيثيات الأُخرى التي لا أعلمها.
هذا كله يا إخوة ويا أخوات لا يعني بأي حال من الأحوال أن نسلم لولي الأمر إذَا كان متظاهرا بالفسوق والفجور، كما تقوله بعض المدارس الإسلامية؛ لأَنَّ لدينا مبدأ (لا ينال عهدي الظالمين)، وَ(فلا تطعهما)، وَ(لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق)، وما قاله الإمام الهادي إلى الحق: (فإذا عصيت الله فلا طاعة لي عليكم).
ذا الحين ظهر لكم أنه لم يطلب أحد منكم يا جن يا عفاريت أن تسلّموا للحاكم الطاغية والظالم في ما اتضح فسوقه وفجوره.
نحن نطالب أنفسنا ومن يرى معنا بالتسليم للقيادة في ما يجب علينا عمله، وفيما يوجهنا به مما، وفيما قد يختلف فيه بعضنا، من الأمور التي من شأنها أن تختلف فيها التقديرات، والاجتهادات.
في بعض الأحيان قد ترى اليوم رأيا ما صائبا وخيارا حسنا، وغدا قد تراه غير صائب، لماذا؟
بسبب تغير الحيثيات، والتقديرات، والنفسيات أحياناً.
ولو أن القرار العسكري والسياسي خاضع لي ولك ولزعيط ومعيط لما صلح لنا أمر، ولما تهيأ لنا نصر، ولجحفنا سيل العدوان في أول يوم.
إذن لا بد من الحسم، ومن يحسم هو القائد بعد المشورة لأهلها، وعليه:
فنحن نسلم للقائد العلم تسليما مطلقا بمعنى أننا ننفذ قراراته وخياراته ولو لم نكن قد اقتنعنا بها.
ها ظهر لكم إيش المقصود بالتسليم ومتى وأين؟