وأنت تقرأ في تراجم أعلام ومشاهير (مصر) قديماً وحديثاً، تجد أن كَثيراً جِـدًّا منهم في الحقيقة ليسوا من أصولٍ مصرية إطلاقاً، وإنما هم من أصولٍ وأعراقٍ وجنسياتٍ مختلفةٍ أُخرى،
ومع ذلك، عمرنا ما سمعنا مصرياً واحداً قال إنهم ليسوا مصريين مثلاً أَو أنهم (مورَّدون) أَو (موَّلدون) أَو (بدون) أو…!
عمرنا ما سمعنا أحداً قد عاب على هذا أَو ذاك أنه تركي الأصل مثلاً أَو كردي أَو أرميني أَو شركسي أَو فارسي أَو ألباني أَو يوناني أَو…!
خذوا عندكم مثلاً (محمد علي باشا) مؤسّس مصر الحديثة، ألم يكن ألباني الأصل؟!
ومع ذلك، عمرنا ما سمعنا أحداً في مصر يقول عنه أَو عن أحد من سلالته التي استمرت في توارث حكم مصر حتى عام 1952 أنهم ليسوا مصريين؟!
عمرنا ما سمعنا أحداً يقول أنهم (مورَّدون) مثلاً أَو (مولَّدون) أَو (بدون) أو…!
أمير الشعراء (أحمد شوقي) أيضاً!
ألم يكن من أصول شركسية يونانية تركية؟
هل سمعتم أحداً يقول أنه ليس مصرياً؟!
حتى يوم أن أعلن موقفاً مناوئاً ومعلناً من الثورة العرابية سنة 1879 من خلال قصيدته المعروفة التي استهدف فيها حتى شخص القائد أحمد عرابي نفسه والتي يقول في مطلعها:
صغارٌ في الذهاب وفي الإيابِ.. أهذا كُـلّ شأنك يا (عُرابي)؟!
ومع ذلك، لم نسمع يوماً أن أحداً قد طعن في مصريته أَو قلل من عروبته، لا من مؤيدي وأنصار هذه الثورة ولا من معارضيها!
وهنالك أمثلةٌ كثيرةٌ وكثيرةٌ طبعاً لا يتسع المجال لذكرها وسردها هنا في هذا المقام.
يعني باختصار الكل هنالك مصريون.
فهل يتعامل الناس في اليمن يا ترى على هذا الأَسَاس أَو المنوال؟
بصراحة لا أظن أحداً يشبه اليمنيين!
فهم جميعاً (عربٌ أقحاح)، أصلهم واحد وعرقهم واحد ونسبهم واحد، القحطانيون منهم والعدنانيون، الشماليون والجنوبيون، الوحدويون والانفصاليون، الهاشميون والأقيال، إلا أنهم في واقع الأمر لا يبدون كذلك!
مشكلة بسيطة واحدة فقط كفيلة بأن توقظ في نفوسهم العصبية وتحيي فيهم النعرات وتوقع بينهم جميعاً في لمح البصر لدرجة أن كُـلّ طرف أَو فئة أَو جماعة لن تتورع أحياناً في أن تنكر على الأُخرى يمنيتها وهُــوِيَّتها، بل وتنعتها بأبشع المسميات والصفات!
أليس هذا ما هو حاصل اليوم؟
والله أنني أستحي وأنا أرى بعض ما يجري بين اليمنيين في وسائل التواصل الاجتماعي من تراشقات وملاسنات كلامية حادة وجارحة وافتراءاتٍ زائفة وكاذبة بحق بعضهم بعضا ما أنزل الله بها من سلطان.
لماذا كُـلّ هذا؟
لماذا هذا الإمعان المتعمد في إلحاق الأذى بالنسيج الاجتماعي اليمني وإصابته في مقتل؟
ومن المستفيد يا تُرى؟
وهل هي سذاجةٌ منا أم غباء أم تنفيذٌ لمخطّط خفيٍّ يريد بنا وبنسيجنا الاجتماعي سوءا؟
نتقاتل.. نتحارب..
ما فيش مشكلة، سنتصالح يوماً.
لكن، برأيكم، ما قيمة أن نتصالح يوماً وقد خلفنا وراءنا تركةً ثقيلةً وإرثاً ضخماً من النعرات والأحقاد والضغينة القابلة للاشتعال في أية لحظة؟
فمتى يعقل اليمنيون؟
متى يدركون أن الحفاظ على أمن وسلامة النسيج الاجتماعي اليمني مسئوليةٌ مشتركةٌ لا يعفى منها أحد وغير قابلة للخوض فيها أَو النقاش؟
أم أنه قد كُتب علينا نحن اليمنيين أن لا يشبهنا في جهلنا وحُمقنا أحد؟!