إن عبدة المألوف من العادات والأفكار والمعتقدات لا يتجهون لرمي المصلحين بأقذع التهم، ويلصقون بهم أبشع وأشنع الألقاب، ويعملون بشتى الطرق لتشويههم، وفرض العزلة المعنوية عليهم لدى المجتمع، إلا عندما يرون أن ما اعتادوه من سوء وضلال، وألفوه من جهل وانحطاط وذل، واعتقدوه من ظلم وباطل، إلى الحد الذي جعله عندهم بمستوى القداسة، بات مهدداً بالاختفاء والزوال من النفوس ومن واقع الحياة كلها، نتيجة فعل حملة مشعل التغيير والهداية، الذين يراد لهم من قبل عبدة المألوف أن يبقى عملهم مقتصراً على حفظ ودائع الناس وأماناتهم، وإصلاح ذات بينهم، وإماطة الأذى عن طرقاتهم، ومواجهة أي عدوان أو خطر يتهددهم، والتضحية بكل ما لديهم في سبيل بقائهم في سعادة ورخاء واطمئنان، وسيصمونهم عندها بالصادقين والأمناء والطيبين المخلصين الخلوقين، لأن كل هذه الأعمال وإن غيرت شكل الحياة من الخارج، وجملت الواقع في عيون الناس، لن يكون لها أثر على التركيبة المجتمعية ذات البعد الطبقي والاستغلالي، فالفقير سيبقى فقيراً، والمضطهد سيبقى مضطهداً، والمظلوم سيبقى خانعاً مستسلماً لظالمه، وبالتالي فلا زوال لمراكز النفوذ والترف، ولا محاسبة لهم، ولا رقابة عليهم، بل سيزدادون قوة وهيمنة وسعة وتمددا وهيبة وسلطانا وإمكانات، وستسير الأمور في صالحهم، وكل هذا سيضاعف من أرباحهم على كل المستويات.
وما إنْ يتجه التغييريون صوب النفوس والأفكار والعادات والمعتقدات، ليعيدوا الاعتبار للحق، ويقتلعوا كل ما يحط من إنسانية وكرامة الناس، ويجهدوا في دفعهم نحو التوجه لعبادة الله وحده، ويقدموا بين يدي الجميع ما يبني نفوسهم وعقولهم، ويطهر قلوبهم، ويحقق المساواة بينهم، ويكبح ظلم الظالم، ويحد من نفوذه وهيمنته، ويحول بينه وبين رغبته في المزيد من الاستغلال للناس وقهرهم واستعبادهم، حتى تنهال عليهم كل تلك الأيادي المستغلة والظالمة بالقتل والضرب، وكل تلك الألسن بالشتم، وبث كل الدعايات والأكاذيب التي تساعد على فصلهم عن المجتمع، وتدفعه للوقوف ضدهم ومواجهتهم، ولاسيما وقد بات يعيش علاقة الألفة مع كل ما اعتاد عليه، وصار يرى مغادرته لهذا الواقع أقرب ما يكون بالدعوة للموت، ومغادرة الحياة كلها.
إن عبدة المألوف سيهشون ويبشون بوجه التغييريين، وهم يتسابقون لبذل نفوسهم دفاعاً عنهم، ولكنهم سرعان ما ينقلبون عليهم، ويصبح ظهورهم شيئاً من الاستفزاز لمشاعرهم، ومدعاة للمقت والشجب والاستنكار، وذلك عندما يتحول التغييريون بعد الشهادة إلى رموز وقدوات فكرية وأخلاقية لدى الأجيال، لأن هذا ما سيبقيهم أحياء في الواقع، كما هم أحياء عند الله، وهذا يعني: نهاية كل ضلال، وفناء كل عبدة للطاغوت والإلف والعادة، وسيادة الحق مادةً وروحاً.
* نقلا عن : لا ميديا