عقدت في الجزائر القمة العربية الحادية والثلاثون بعد توقف انعقادها منذ العام 2019، بسبب “جائحة كورونا”، وخلال هذه الفترة حدثت تطورات في الواقع العربي، تغيب عن القمة قادة السعودية والمغرب والأردن والإمارات، وهم محور التطبيع والخيانة الجديد.
جاءت القمة في سياق تاريخي استثنائي، متمثلاً في الحرب الروسية الغربية، وتعمق التحالف الروسي الصيني الإيراني، وسيطرة اليسار على حكومات أمريكا اللاتينية، وصعود محور المقاومة في المنطقة، ومواجهة الكيان الصهيوني لهذه الحقيقة، وضعف الهيمنة الأمريكية عالمياً، ودخول أوروبا فصل الشتاء فيما العالم العربي يزخر بالطاقة والدفء، أي في لحظة تاريخية يتشكل فيها العالم، وقد طمحت الجزائر الشعبية إلى أن ترفع الاهتمام العربي إلى هذا المستوى الاستراتيجي انطلاقا من سمو تطلعاتها هي واستمرار تمسكها بالقضايا القومية التحررية، وقد انعكس هذا الأمر على استحياء في البيان الختامي “إعلان الجزائر”، وعملياً فلن تستطيع الدول العربية أن تمثل قطباً جديداً، فلم تستكمل كثير من دولها مهام التحرر الوطني وتعيش في ظل الهيمنة الغربية.
افتتحت القمة بكلمة للرئيس التونسي قيس سعيّد، رئيس الدورة الماضية دعا فيها إلى تجاوز الخلافات و”لم الشمل”، ثم سلم سعيّد الرئاسة لنظيره الجزائري عبدالمجيد تبون.
تطرقت القمة إلى التحديات والقضايا الأساسية المشتركة التي تواجه الشعوب العربية، وخصوصاً أزمتي الغذاء والمياه والتغيرات المناخية والاضطرابات السياسية العسكرية باعتبارهما من المشاكل الاقتصادية السياسية المشتركة والخطيرة على العرب عموماً، وبناءً على ذلك دعت القمة إلى التكامل الاقتصادي والسوق والجمارك المشتركة، كما أكدت القمة على تقوية الجامعة العربية لتمارس دورها في حل الأزمات، وهو أمر غير ممكن التحقيق، خصوصاً مع تنامي الخلافات والانقسامات.
بخلاف البيان الختامي التوافقي، نجد أن خطابات القادة المشاركين كانت متباينة في ما بينها وصغيرة في اهتماماتها، أي خارج مهام المرحلة التاريخية الراهنة، ففيما السعودية لها موقف من إيران، كان للعراق موقف من إيران وتركيا معاً، فيما العليمي له مشكلة خاصة مع صنعاء، ولبنان مشغول بنفسه، والأردن تشغله القضية الفلسطينية، لأن الصهاينة يريدون حلها على حساب الأردن، ومحمود عباس يبكي من “إسرائيل” فيما أجهزته الأمنية تنسق مع العدو، والسودان يعلن استعداده ليكون سلة الغذاء فيما يُعلن أن في بلده مجاعة، وغيرها من التفاصيل التي تعكس تباين الاهتمامات العربية على مستوى كل بلد؛ فالتناقض في هذه القمة أنها تنعقد تحت شعار التنسيق المشترك بينما تحمل كل دولة أجندة وأهدافا خاصة، وأنها في لحظة تاريخية يتشكل فيها نظام عالمي جديد فيما لم يتفق العرب على الحكومات العربية ذاتها، ومنها الحكومة السورية والحكومة الوطنية في صنعاء.
تعد القمة مبادرة مهمة من الجزائر التي تسعى للعودة إلى الساحة العربية والإفريقية، وكان لها سابقاً موقف حشد الأصوات الإفريقية لمنع قبول “إسرائيل” في عضوية الاتحاد الإفريقي، وهي في حالة صراع مع المغرب المطبعة مع الكيان الصهيوني، وبشأن تمسكها بقضية الصحراء المغربية، وكانت قد رعت الجزائر اتفاق مصالحة بين الفصائل الفلسطينية في منتصف تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.
البيان الختامي، كان عبارة عن توافقات، لكنه متقدم في السياسة الداخلية والخارجية الدولية، وهو مضاد لمشاريع الاستعمار والصهيونية، من خلال تأكيده على احترام وحدة وسيادة الدول العربية وعدم التدخل في شؤونها، والدعوة للتكامل العربي اقتصاديا وتقنيا وبيئياً ودعم الدول في الكوارث والطوارئ، والدعوة لأن تكون الدول العربية طرفاً فاعلاً في عالم ما بعد حرب أوكرانيا، أي في العالم متعدد الأقطاب، وإن كان البيان لم يذكر عالم التعددية القطبية إنما عالم ما بعد أوكرانيا.
وكذلك الدعوة إلى أن تشارك الدول العربية مع محيطها الإسلامي والإفريقي والأوروبي المتوسطي، باعتبارها عملياً مناطق عمقها ومناطق توسعها الإمبراطوري العباسي والأموي السابق.
شددت القمة على دعم القضية الفلسطينية ورفض التهويد وتأييد الوصاية الهاشمية الأردنية على القدس والمقدسات المسيحية، ودعم فلسطين للحصول على عضوية الأمم المتحدة كدولة لا كحركة تحرر وطنية “منظمة التحرير” ورفع الحصار عن غزة وغيرها من القضايا ذات الصلة، وكذلك الإشادة بمساعي توحيد الفلسطينيين ومنها المساعي الجزائرية الأخيرة.
على مستوى قضايا الدول العربية التي تشهد اضطرابات عموماً رفض التدخلات الخارجية بجميع أشكالها في الشؤون الداخلية للدول العربية والتمسك بمبدأ الحلول العربية للمشاكل العربية عبر تقوية دور جامعة الدول العربية في الوقاية من الأزمات وحلها بالطرق السلمية، ودعم مساعي الحلول السلمية للقضية الليبية والسورية واليمنية والعراقية واللبنانية مع التأكيد على أمن منطقة الخليج.
وفي ما يخص الأوضاع الدولية الراهنة، أكد البيان على أن التوترات المتصاعدة على الساحة الدولية تسلط الضوء أكثر من أي وقت مضى على الاختلالات الهيكلية في آليات الحوكمة العالمية وعلى الحاجة الملحة لمعالجتها ضمن مقاربة تكفل التكافؤ والمساواة بين جميع الدول وتضع حدا لتهميش الدول النامية، وبمعنى آخر أن الهيمنة الغربية على العالم ومؤسساته كمجلس الأمن والأمم المتحدة ومؤسسات صندوق النقد الدولي ومنظمة التجارة العالمية هي سبب المشاكل العالمية، والحل في إصلاح كل ذلك بإعادة التوازن ومقاربات المساواة، وهو ما يعني الانتقال لعالم متعدد الأقطاب، في انسجام مع خطاب رسالة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى مؤتمر القمة.
بيان القمة العربية طموح، وواقعي في طرحه، إلا أن القوى التي يُفترض أن تنفذه غير موجودة وكذلك الآليات غير محددة، فبيان يحمل طموحا كهذا يحتاج عملياً إلى وحدة القوى الوطنية الثورية التقدمية المقاومة في كل الأقطار العربية، ونضال مشترك، فيما من يحكم اليوم في غالبية الدول العربية نخب تتناقض مع هذه المهام.
ما يعوق الوحدة العربية أو التكامل العربي المطروح في القمة، هي النخب البرجوازية العربية، وكلاء الاحتكارات الغربية، فالعالم العربي سوق مقسم بين الغرب مناطق للنهب ومناطق لتصريف السلع، و”إسرائيل” الشرطي فيه، الزعماء الوكلاء التجار مهمتهم حماية الاستعمار ومنع التكامل العربي، الوحدة العربية لن تتحقق إلا بالنضال ضد الرأسمالية التي تسعى لتمزيق العالم العربي؛ فالدستور الطائفي في لبنان من زمن الاستعمار الفرنسي (أعادت السعودية بعثه مجدداً في اتفاق الطائف 1989)، والدستور الطائفي في العراق من عهد الاحتلال الأمريكي والحاكم بريمير، وتقسيم السودان الصومال والمحاولة الحالية في اليمن بدعم غربي، أعداء الوحدة العربية الغرب والصهاينة، لكنهم حلفاء وشركاء لدول عربية مطبعة، فإسقاط الأنظمة والحكومات العميلة شرط للوحدة العربية!
إن محور المقاومة (دولا وفصائل) هو النواة الواقعية في سبيل وحدة القوى الوطنية في العالم العربية القومية واليسارية والإسلامية، للنضال من أجل عالم عربي حر مستقل متكامل ناهض اقتصادياً متقدم اجتماعياً، ومساهم حضارياً في محيطة الدولي في ترسيخ الأمن والسلام والأخوة بين الشعوب.
* نقلا عن : لا ميديا