عندما مات ضمير الإنسانية غاب نعيق الغراب!
كان غراب الشئم يرى في بداية هذا العدوان أن عليه أن يكذب ويكذب كثيراً لكي يصنع انتصارات خرافية وهمية أولا وحتى يحسن من وجهه القبيح والمخزي الذي أصبح أضحوكة ومسخرة وسيظل كذلك عبر التاريخ!
وثانياً محاولةً منه لكي يخفف من سخط العالم وغضبه أمام ما يعلم من ارتكابه لجرائم تعتبر انتهاك ليس فقط لحقوق الإنسان وإنما للإنسانية واعتداءا سافرا عليها لم يسبق له التاريخ مثيلا من قبل بل وفقأ عينيها و وأد طفولتها وذبحها علناً من الوريد إلى الوريد بعد بيعها في سوق النخاسة والنجاسة معاً المدنس برائحة النفط الحرام!
لكن المفاجأة التي نزلت كالصاعقة علينا والتي لم يصدقوها حتى هم من هولها وشدتها أن الإنسانية لم تغضب بل وأنها تنطق ببنت شفه بل إنها ماتت..بل أنهم أقاموا العزاء عليها في الخفاء وفي ظلام الليل حتى لا يعلم عن موتها أحد!
وهنا توقف الغراب عن النعيق أقصد به العسيري، ألم تروا أننا لم نعد نسمع له صوتا، لأنهم وجدوا أنه لم يعد هناك أي داعٍ لكي يظهر أمام شاشة التلفزيون ويكذب ويقول أنهم يصيبون أهدافهم بدقة وأنها كلها ليست إلا أهدافا عسكرية وفي الحقيقة أنها كلها ليست إلا أهدافا مدنية مائة بالمائة تصيب ولا تخطئ طفلا ولا امرأة، ولا منزلا ولا مستشفى!
لم يعد هناك أي داعٍ حتى للإعتذار بأنهم اخطأوا الهدف حتى لو تساقط الصغار أمام شاشات التلفاز بالمئات وبالألوف، بل وإنه يجب تهنئتهم على هذه الإنجازات العظيمة!
كم من المناظر التي تشيب لها رؤوس الولدان وتتوقف من هولها دقات القلوب وتتصدع لرؤيتها الجبال والسماوات والأرض لكن وياللمأساة وياللكارثة أنها لم تحرك ساكناً في بني البشر.. أنها لم تحدث تأثيرا في الناس عندما تفتت من هول رؤيتها الحجر!
أخبروني لماذا تحجرت القلوب ومن متى ماتت المشاعر وانعدمت الضمائر؟
لماذا لا بواكي على اليمن وعلى أطفال اليمن ونساء اليمن وعلى المقتولين غدرا وجبنا ً ونذالةً من أبناء اليمن؟
آلاف المناظر منذ بداية العدوان والتي تدمي القلوب، آلاف القصص التي تتهاوى الجبال أمام بشاعتها وقسوتها وتذوب!
هناك صور لا يقوى الإنسان على رؤيتها يا بني الإنسان ومشاهد لا يقوى اللسان على وصفها بل تصيبه بالذهول والهذيان!
لكن لا بواكي على اليمن.. إلا ما رحم ربي وإن هم إلا قليل ولهم كل الود والتبجيل.
هناك ألف ألف بثينة وألف ألف محمد الدرة، هل تذكرون محمد الدرة الذي كان يختبيء خلف والده ورغم ذلك قام اليهودي بإطلاق الرصاص عليه حتى أرداه قتيلاً..أتعرفون ماذا؟
لقد تطور الأمر كثيراً فهناك ألف ألف طفل يختبئون في أحضان أبائهم وأمهاتهم ليس من منظر الجنود ولكن من أصوات الطائرات التي تزمجر فوق رؤوسهم ليل نهار، ولكن ليس لتطلق عليهم رصاصة ولكن لتبعثر طفولتهم وأحلامهم بصاروخ أو قنبلة ليس هم فقط لكن مع أمهاتهم وأبائهم الذين تتقطع بهم السبل وهم لا يعرفون كيف يدرءون عنهم هذا الظلم وكيف يدفعون هذا الإجرام عن أجساد أطفالهم الصغيرة وهم مستعدون أن يُقطعوا ألف مرة ولا أن يصاب أطفالهم بمكروه وكم تتقطع قلوبهم عندما يقترب ذلك الصوت من سماءهم وهم يعرفون أنه لا حول لهم ولا قوة في دفع هذا الإجرام عنهم ولا عن فلذات أكبادهم، حتى ولو حاول هذا الأب الذي في الصورة أن يغطي جسد ابنه الصغير من الصاروخ حتى ولو تقطع هو.. ولكن دون جدوى.. فما يكون إلا أن يرتقوا جميعاً إلى جوار الله ورحماته.. وما يكون منّا إلا أن نثأر لهكذا إجرام ومجون ولو تعاقب علينا الدهر وتوالت آلاف السنين.