تخيلوا لو أن القرآن الكريم لم يُنزل بلسانٍ عربيٍ مبين، لو أنه مثلاً قد أُنزل باللغة الإنجليزية أَو الروسية أَو الصينية أَو الفارسية أَو الأمازيغية أَو أي لغةٍ أُخرى غير العربية..
ماذا لو أن خاتم الأنبياء والمرسلين صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله لم يكن عربيا؟!
برأيكم،
كيف كان حال اللغة العربية سيكون اليوم؟
بصراحة ولطول ما أرى ما تتعرض له اللغة العربية اليوم من حالة استهداف وتجاهلٍ وازدراءٍ وإهمال من قبل العرب أنفسهم، فلا أظنها كانت لتبقى صامدةً وقائمةً إلى زماننا هذا اليوم!
يعني كانت قد اندثرت واختفت (من بدري)!
فمن يعرف حقيقة العقل العربي يدرك تماماً حقيقة ما أقول.
تأملوا فقط في أعداد المعاهد والمدارس الخَاصَّة التي تعنى بتعليم اللغات الأجنبية وخَاصَّة الإنجليزية المنتشرة في كُـلّ حارةٍ وحي وفي كُـلّ بقعةٍ من عالمنا العربي وحجم الإقبال الكبير عليها من قبل طلابنا وأبناءنا وكذلك في أعداد المعاهد والمدارس الخَاصَّة الشحيحة والنادرة التي تعنى بتعليم اللغة العربية وستعرفون الفرق!
طبعاً أنا لست هنا ضد تعلم اللغات الأجنبية -معاذ الله- ولكني هنا ضد أن يتعلم الإنسان العربي لغةً أجنبيةً قبل أن يتعلم (العربية) ويستوعب قواعدها ونحوها وصرفها وَ…!
هل رأيتم أجنبياً يُطعِّم حديثه أَو كلامه بكلمات عربية أَو أجنبيةٍ من غير لغته؟
العرب وحدهم من يقومون بذلك دائماً وباطِّراد، فكأنما الإنسان العربي يعتقد دائماً أنه بتطعيم حديثه بكلمات وعباراتٍ أجنبية فَـإنَّ ذلك يعكس مدى ثقافته واطلاعه ويعد مظهراً من مظاهر الرقي والحداثة والتطور لديه.
وهكذا هو العقل العربي دائماً!
يتعمد إهانة لغته والتقليل من شأنها!
يعني اليهود أحيوا لغةً أوشكت على الاندثار وأعادوها إلى الواجهة من جديد ونحن العرب نسعى إلى وأد لغتنا والتنصل منها.
في فرنسا يحظر على أي مسئولٍ حكومي أَو جهةٍ رسميةٍ التخاطب بغير اللغة الفرنسية ونحن العرب لا نجد تحرجاً في أن يتحدث زعماؤنا ومسئولونا في أي محفلٍ دوليٍ بغير العربية.
فكأنما اللغة العربية لم تكن تشكل لنا يوماً مصدر إلهامٍ أَو هُــوِيَّةٍ أَو انتماء!
حتى مهرجانات الشعر العربي التي كانت تقام في عواصم أَو مدنٍ عربيةٍ مختلفة كُـلّ سنتين أَو ثلاث أَو حتى عشر كمهرجان أبي تمام والمربد وشوقي وغيرها إلى عهدٍ ليس ببعيد لم نعد نعهدها اليوم كما كان يعهدها آباؤنا وأجدادنا الأولون!
فقد طغت العامية البلهاء على كُـلّ شيءٍ لدرجة أن هنالك دولاً بعينها تخصص ملايين الدولارات لإقامة محافل ومسابقاتٍ شعرية وأدبية تروج للهجتها وشعرها الدارج الركيك كبرنامج شاعر المليون مثلاً وبرنامج البيرق وَ…!
بل أن هنالك من الزعماء والقادة من يقول الشعر ولكن بلهجته الدارجة العامية ويعتبرها سجيةً له!
بالله عليكم، متى كان يعهد العرب قائداً أَو فارساً أَو زعيماً عربياً يروج لشعرٍ أَو أدبٍ دارج!
وأما المواليد في هذه الأيّام، فلأسمائهم وطريقة اختيارها وانتقائها حكايةٌ وقصة!
إذ إنه لم يعد يكلف الكثير من الآباء اليوم شيئاً من الوقت أَو الجهد للبحث في اختيار أسمائهم!
يكفي الأباء أَو الأُمهات فقط أن يتابعوا مسلسلاً أجنبياً وسيجدون لهم من أسماء الممثلين والممثلات ما يشبعون به رغبتهم وفضولهم في اختيار ما يعتقدونون أنه فريدٌ وجديد!
وليست هذه المشكلة فحسب!
المشكلة الأَسَاسية هي أنهم لا يعرفون لهذه الأسماء مصدراً ولا يفقهون لها معنى!
صافيناز، لارا، ميسي، سيمون، شويكار، سندرللا، وجولي ويارا وانوكشا وَ… وهلم جرا!
يا أخي اعتز بنفسك ولغتك واختر لمولودك اسماً عربياً حتى لو كان اسم ضان أَو اسم بقرة أَو عنزة..
قللك جولي.. قال أنوشكا!
بالله عليكم،
أإلى هذا الحد وصلنا من الانحطاط والانحلال الثقافي والمعرفي؟!
يا إخواني اللغة العربية هي هُــوِيَّتنا ومصدر إلهامنا وانتماءنا وثقافتنا.. وهي لغة قرآننا،
فلنحافظ عليها، على الأقل، حفاظاً على هُــوِيَّتنا وعقيدتنا وثقافتنا وانتماءنا، ولنحرص دوماً على الاعتزاز بها وعلى تعلمها والتقيد بقواعدها قدر المستطاع كي لا نفيق يوماً وقد انسلخنا منها كما ينسلخ السهم من الرمية.
اللهم بلغت.. اللهم فاشهد.