أشار قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي إلى أن من أهم استراتيجيات العدو لاستهداف الأمة هي استراتيجية الحرب الناعمة، وقال في كلمته بمناسبة الذكرى السنوية للشهيد 1444 هجرية، إن الأعداء يشتغلون في الحرب الناعمة، التي يسمونها بالحرب الناعمة، على المستوى الثقافي والفكري، وعلى المستوى الأخلاقي؛ لاستهداف أبناء الأمة وشباب الأمة بالدرجة الأولى.
وأكد السيد عبدالملك أن هذه الحرب تستهدف الإرادة والمعنويات والجانب الإيماني للمجتمع، واعتبرها حرب مركزة تستهدف الأمة في عامل القوة المعنوي، وفي الجانب المبدئي والأخلاقي والقيمي، الذي يسعى الأعداء لسلخ الأمة من القيم والأخلاق وتفريغ شبابها منها، والهدف هو السيطرة على الأمة.
سبق لقائد الثورة حفظه الله أن تحدث في أكثر من خطاب عن هذا النوع من الحرب الناعمة التي تستهدف الشعب اليمني في إرادته ومعنوياته وثقافته وقيمه وهويته، خصوصا في حالتنا الراهنة التي فعل العدوان استراتيجية هذه الحرب بوتيرة مكثفة وسخر لها ماكينة إعلامية ضخمة وهائلة وفاعلة تعمل يوميا في إطلاق آلاف الدعايات والعناوين والاثارات في أوساطنا.
تعرف الحرب الناعمة بأنها كافة التدابير النفسية الدعائية الإعلامية والثقافية التي تستهدف المجتمعات لهدف تكريس سلوكيات أو قناعات أو قيم معينة ، أو إيجاد حالة ذهنية معينة لدى الناس ، بينما يضع الإمام الخامنئي تعريفا للحرب الناعمة بأنها غزوٌ ثقافيّ، بل هي إغارة وإبادة ثقافيّة عامّة ، ويضيف الحرب الناعمة : تعني الهجوم على الحدود الإيمانية والعقائدية والثقافية ، وهي حرب لإحباط الناس من الجهاد وإيجاد التردد والشكّ في قلوب وأذهان الناس ، من خلال الكذب ونشر الشائعات بواسطة الأدوات الإعلامية والثقافية المتطورة.
يعرّف جوزيف ناي صاحب كتاب (الطبيعة المتغيرة للقوة الأمريكية) الذي يعد من أول المنظرين لهذا النوع من الحرب الأمريكية بأن القوة الناعمة هي القدرة على الجذب لا عن طريق الإرغام والقهر والتهديد العسكري والضغط الاقتصادي، بل عن طريق الجاذبية، وجعل الآخرين يريدون ما تريد أمريكا ، من خلال عملية إجبار وإلزام غير مباشرين وسجال عقلي وقيمي يهدف إلى التأثير على الرأي العام في داخل الدولة وخارجها.
تخصص أمريكا إنفاقات ضخمة على هذا النوع من الحرب التي أسماها وزير الدفاع الأميركي الأسبق روبرت غيتس في كلمة أمام اعضاء الكونغرس عام 2007 ، “الأدوات المدنية” ، والتي قال إن الحاجة إلى تعزيز القوة الناعمة الأميركية عن طريق “زيادة الإنفاق على الأدوات المدنية”.
وأعلن السفير الأميركي السابق في لبنان جيفري فيلتمان كشف أمام الكونغرس”أنّ حكومته أنفقت 500 مليون دولار لتشويه صورة حزب الله ، وفي سياق الحرب الناعمة التي تمارسها الإدارة الأميركية ضد الشعب اليمني ، من الواضح أن تحالف العدوان الأمريكي وسع حملته الإعلامية وأوجد لها أدوات جديدة مؤخرا.
في واقعنا اليومي نجد أن سيلا هائلا من الدعايات والعناوين الزائفة التي يطلقها تحالف العدوان من مطابخه السوداء وغرفه المغلقة ، وتتلقفها الأبواق الرخيصة المندسة بيننا لتروجها وتنشرها لضرب معنويات الشعب ، وإفقاده العنصر المعنوي الأساس في صموده وثباته ، وللتشكيك في قيم الصمود والمواجهة للعدوان ، وصرف الأنظار عن الجرائم والحصار والنهب والاحتلال الذي يمارسه تحالف العدوان بحقنا.
وعلى قاعدة اللاسلم واللاحرب يعمل العدوان وفق استراتيجية “إعلام وتجويع” يدجل الإعلام الخليجي والأمريكي والغربي بأكثر من ألف عنوان زائف يوميا ، ويدجل السفراء والأبواق الأمريكية والغربية بعشرات التصريحات والتغريدات يوميا ، صحيح أن هذا الكذب لا يستحق جهدا في دحضه لأن أرشيف هؤلاء مليء بما يدحضه ، لكن الوعي مطلوب تجاه هذا النوع من الحرب.
تنشط الماكينة الدعائية للعدوان الأمريكي السعودي الغربي في استغلال وتوظيف الأحداث بتقديمها وفق روايات زائفة غير حقيقية ، وتنشط أيضا في إطلاق الدعايات والحملات الهجومية التحريضية التي تهدف من خلالها إلى إيجاد حالة من التشتت والإرهاق التي تؤدي إلى عدم الاستقرار الذهني لدى الناس في المحافظات الحرة ، وجعلهم يشعرون بعدم الرضى عن الواقع المأزوم بالحاجة والمعاناة التي يسببها نهب العدوان للثروات وحرمان الموظفين من رواتبهم ومحاصرة الموانئ والمطارات كذلك.
كما تنشط الماكينة الإعلامية لتحالف العدوان في استثارة قضايا وإشكالات صغيرة تعمل على تضخيمها وتكبيرها ، لصرف الانتباه عن جرائم الحصار والتجويع والنهب والاحتلال التي يمارسها بحق اليمن ، والهدف صرف اليمنيين عن قضاياهم المصيرية نحو قضايا صغيرة تقدم على أنها هي قضايا اليمن الكبرى ، وفي ذلك يتم استغلال وتوظيف أي خطأ فردي أو إشكالية معينة في تغذية هذا المسار الدعائي الخبيث.
وفي مواجهة هذه الحرب الماكرة يوجهنا قائد الثورة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي بضرورة الوعي والبصيرة ، ويقول “يجب أن يكون عندنا وعي كبير بأن الأعداء مستمرون في استهدافهم لشعبنا على كل المستويات، على المستوى السياسي، والعسكري، والأمني، والاقتصادي، والإعلامي، والثقافي، الحرب علينا- كما هي على أمتنا بشكلٍ عام- هي حربٌ شاملة، والاستهداف هو استهدافٌ شامل، ويجب أن نتحلى في داخل هذا البلد بالوعي التام تجاه مؤامرات الأعداء في كل المجالات”
ويضيف قائد الثورة : المسار الإعلامي: ويتطلب وعياً عالياً، وتركيزاً على هذه الأولوية، وحذر من الوقوع في مؤامرات الأعداء، وفي الشتات، الذي يجعل البعض يركز على قضايا ثانوية ومشاكل ثانية، وينسى القضايا الأهم.
على المستوى الاجتماعي: العدو يسعى لإثارة المشاكل بين أبناء المجتمع، وتفريق صفهم، وتغذية كل النزاعات والمشاكل فيما بينهم، ما بين تلك القبيلة والأخرى، ما بين تلك المنطقة والأخرى، وهكذا، يجب أن يكون هناك نشاط على المستوى الاجتماعي، للحفاظ على السلم الأهلي، ولتعزيز الجهود باتجاه المعركة الأهم.
على المستوى الثقافي والفكري: يجب الاستمرار في التصدي للأعداء، هذه معركة مهمة جداً، وعدم الاكتراث بحمالاتهم الإعلامية، فيما يتعلق بالجهود المهمة، والعملية، في العناية بالجانب الثقافي والمجال التعليمي.
وبالمختصر فإن العدو يستنفر إعلاميا للضغط الذي يسعى من خلاله إلى أن نقدم له التنازلات، ولن يكتفي بتنازل واحد بل ستتوالى المطالب والضغوط حينما يشاهد العدوان بعض من هم في أوساطنا بما فيهم أولئك المحسوبين ضد العدوان لكنهم يشتركون في حملاته ومعظمهم يتحركون بغباء ، مستخفين بالمخاطر غير مدركين بأن الكلمة أمانة ومسؤولية.