عقبَ أربعة أَيَّـام من الحراك الشعبي المكثّـف وغير المسبوق من الجماهير اليمنية الهادرة، في مختلف الساحات والميادين؛ استعداداً وتأهباً ودعماً لخيارات القيادة السياسية والعسكرية القادمة؛ مِن أجل رسم ملامحِ المستقبل التحرّري بمباركةٍ شعبيّة، كانت وما تزال الرافدَ الأَسَاسَ لكل تحَرّكات القيادة والداعم لتوجّـهاتها؛ للمضي قُدُماً نحو استرداد الحقوق، ليس بلُغة التحاور والتفاوض، بل بلغة القوة التي تفهمها أمريكا جيِّدًا.
وصل وفدٌ من المكتب السلطاني العُماني إلى العاصمة صنعاء، في زيارةٍ هي الثانية من نوعها، هذه الزيارة الطارئة والتي من المرجح أنها جاءت بطلبٍ واستجداء أمريكي سعوديّ مباشر؛ لكونها جاءت بعد تلك المسيرات التي لا تزال أجنداتها مطروحةً فوقَ الطاولة كعنوانٍ لمرحلةٍ تصعيديةٍ قادمة قد تغير مجريات الأحداث وخارطة المنطقة إلى الأبد.
الوفدُ العُماني الشقيقُ القادمُ من مسقط في زيارةٍ قيل إنها تهدف إلى استكمال الجهود التي بُذلت واطلاع القيادة في صنعاء على مخرجات اللقاءات في السلطنة خلال الأيّام الماضية مع الأطراف الأُخرى، والتي تبدو كمؤشرٍ إيجابي وباعث على التفاؤل نسبياً، بعد أجواءٍ مشحونةٍ بالتشاؤم؛ نتيجة الاستمرار بالاستخفاف بحقوق ومطالب الشعب اليمني المشروعة.
وحتى لا يصبح الوفد العُماني مُجَـرّد “بندق العدال” لتحالف العدوان بقيادة أمريكا، التي تدفعُ به وقتَ ما لمست جديةَ الموقف واستشعرت حتمية الخطر الداهم، لعلمها أن صنعاءَ تثقُ بالوسيط العُماني وبصدق نواياه وجهوده وتحَرّكاته، وبالتالي تهدف إلى كسب مزيداً من الوقت، وتعمل على الحدّ من الاندفاع والحراك الشعبي الظاهر، ضمن مسلسلات التخدير الموضعي.
وعليه.. فالجماهيرُ اليمنية ناهيك عن قيادتها الحرة، لا يمكن أن تثقَ بصدقِ أقوال وحسن نوايا الأمريكي والسعوديّ، لذلك على الوسيط العُماني إدراك أن أي حَـلّ قادم سيكون بعيدًا عن منطق التبعية والوصاية الذي ساد خلال العقود الماضية، بعيدًا عن منطق الصفقات والمقايضات الذي دأب عليه تحالف العدوان بقيادة أمريكا، بعيدًا عن المراوغة والتنصل من وقف دائم وشامل لإطلاق النار، بعيدًا عن حتمية العمل وفق مطلب إنهاء مظاهر الاحتلال وانتهاك السيادة اليمنية، وتأسيس لعلاقات حسن جوار قائمة على الندية.
وحتى تنجح مهمة الوفد العُماني يجب أن يدرك أَيْـضاً حقيقة أن الإبقاءَ على الحصار كورقة ضغط وسيف مسلط على رقاب الشعب اليمني، والسعي الأمريكي الدؤوب على أن يحقّق انتصاراً وهمياً بواسطة الدبلوماسية، عجز عنه بالحرب خلال سنوات العدوان الماضية، ضربٌ من المستحيلات.
كما يجب على الأشقاء عدمُ الوقوع في فِخَاخِ المناورة السياسية والتكتيك الأمريكي؛ بهَدفِ ضمانِ وقف العمليات العسكرية القادمة في كُـلِّ المناطق المحتلّة بما فيها الجُزُر والمياه الإقليمية، بل والعُمق السعوديّ، لذلك، فالوفدُ العُماني الشقيق اليوم أمام مهمة إقناع التحالف بقيادة أمريكا، أن لا سلام لهم إلا في إنهاء العدوان والاحتلال والحصار، بعد هزيمة تحالفهم وهزيمة التقنية الأمريكية، على أيدي اليمنيين، حتى أن هذه الهزيمة باتت قناعة مترسخة لدى كثير من شعوب العالم بما فيهم الأمريكيين، وبات من غير الممكن للمهزوم أن يفرض شروطه على المنتصر.