دائماً أطلب من الله عز وجل: ألا يجعلني من الذين يبيعون الحق بالباطل، ويشترون بآيات الله ثمناً قليلاً، فيبررون الانحراف، ويبرئون الفاسدين، ويسوغون لهذا الخطأ، ويلتمسون العذر لذاك التجاوز، ويدعون صوابية ذلك الخلل، فما أكثرهم اليوم! وما أعلى أصواتهم! وأطول أعناقهم! بهم تقوى حجة المبطل، وتُدحض حجة المحق، ولهم يستند الظالم، فهم عدته لحرب المظلوم، وأعوانه على تحقيق مراده في كل شيء.
إنهم مَن إذا قيل لهم: إن فلانا جعل من الوظيفة العامة بحكم منصبه حقاً خالصاً لأولاده وذويه، والمقربين منه، فابنه الأكبر على سبيل المثال لا الحصر لديه ثلاث وظائف، في الوقت الذي نجد فيه الكثيرين من أهل الخبرة، وذوي الكفاءة لا يجدون ما يسدون به رمقهم، لكونهم يعيشون في بطالة، مع أن الواقع بأمس الحاجة إليهم، في كل المجالات، وفي مختلف التخصصات، يبادرونك على الفور قائلين:
هذا من حقه، أليس يمنياً؟! بلى هو يمني، ولكنه في مقام المسؤولية الذي يحرم عليه استغلال الحق العام لصالحه، أو يسخره لخدمة ذويه وخاصته، ومَن له هوى فيهم، ومَن اعتامه من أعراب قومه، وذلك من موجبات استحقاقه لسخط وغضب الله أولاً، والناس ثانياً، كما أنه شاهد من الشواهد التي تفقده الاحترام والتقدير في عيون الناس، ويبعث فيهم له نظرة الاستخفاف والهوان والتحقير، لأنه خان الله الذي حمله أمانة المنصب الذي هو فيه، وعمل بخلاف ما يقرره النهج الذي يدعي تبنيه، والالتزام به، وخان القيادة التي استأمنته على حقوق الأمة ورقابها، وأعطته الثقة التي أثبت للعيان أنه لم يكن أهلاً لها، ثم ألم يكن يدعي توليه للإمام علي عليه السلام؟ وماذا يعني الولاء غير الاتباع والالتزام بما جاء به، مصحوباً بالتسليم والمحبة الخالصة! وقد عد الإمام علي عليه السلام، محاباة الأقارب من قبل الولاة والمسؤولين، ومنحهم شيئاً من الامتيازات، أو إعطاءهم ما ليس لهم من بيت مال المسلمين: بيعاً للدين، ومفارقةً لطريق الهداية، وذنباً موجباً لمرتكبه الخلود في نار جهنم، ذاك ما بينه في حديثه عن أخيه عقيل، الذي طلب منه منحه صاعاً من القمح من بيت مال المسلمين، ومع شدة حاجة عقيل لذلك، وعظم ما بلغه سوء الحال بعياله لفقرهم المدقع، رفض الإمام أن يعطيه أكثر مما هو له، وقد أحمى له حديدةً ليتعظ بها، يقول عليه السلام: فصرخ صراخ ذي دنفٍ من ألمها، وكاد أن يحترق من ميسمها، فقلت له: ثكلتك الثواكل يا عقيل، تئنُ من حديدةٍ أحماها صاحبها للعبه، وتقودني إلى نارٍ سجرها جبارها لغضبه، تئنُ من الأذى ولا أئنُ من اللظى؟!
* نقلا عن : لا ميديا