قد نتساءل لماذا نُقدِّم كل هذه التضحيات، لماذا نحن دون غيرنا.
إلى متى سنقوى على تحمل كل هذا الظلم والإجرام، متى سيتوقف نزيف جراحاتنا وأنين قلوبنا وآهات أرواحنا؟
ما أكثر الأسئلة!
دعونا نستعرض أهمها، وحتى نستطيع الإجابة عليها لابد من العودة بذاكرتنا إلى الوراء .
فذات مرة مرَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على آل ياسر وهم يعذبون أشدَّ العذاب، فقال لهم: (صبراً آل ياسر فإنَّ موعدكم الجنة )
دعوةٌ واحدة من الرسول كانت كفيلة بأن تنهي المشهد بأكمله، لكن لا.
فمن خلال حركة الرسول ومسيرته الإيمانية الجهادية التي كانت حافلة بالصبر والبذل والجهاد والتضحية والنصر أراد رسول الله أن يعلم الأمة الطريق ما يجب عليها أن تسلكه لكي تصل إلى ذروة التمكين والسيادة والريادة والمجد، وهذا ما تحقق فعلاً، فالطريق لم تكن مُعبدَة ومفروشة بالورود والياسمين في بداية هذه الرسالة الخالدة، بل كانت محفوفة بكل المشاق والمخاطر ولم تصنعها المعجزات والكرامات والتخاذل والتقصير بل صنعها البذل والتضحيات ، هذا في عهد الجاهلية الأولى، فما بالنا بعهد الجاهلية الأخرى والتي هي أشدّ وأنكى ؟!
ولماذا اليمن واليمنيون؟
هذا من فضل الله العظيم على هذا البلد وشعبه، أن يتصدى اليمنيون لأعتى وأقوى إمبراطورية يهودية على طول التاريخ، إنه دورهم التاريخي يعيده الله إليهم، فمن كان له الدور في إيواء الإسلام ونصرته عندما خذله الأعراب وعادوه وحاربوه وتعاونوا مع كل الأعداء من اليهود والنصارى وغيرهم في وأده وهو لا يزال في بدايته، أليس جديراً به ومن الفضل له أن يكون هو دون غيره من يتحمل مسئولية الدفاع عنه ونصرته والنهوض به من جديد؟
وهذا من عظيم منّة الله الذي حفظ هذه الإرث الجهادي لأجدادنا أعاده إلينا، فيجب أن نكون بحجم الأمانة والمسئولية التي اختارنا الله لها، فمن نكث أو تخلف فسيستبدل الله به غيره ولن يضيره شيئًا.
ولماذا التضحيات والمعاناة بهذا الحجم الذي قد لايستطيع سوانا التحمل أكثر من ذلك؟
لأنها بحجم هذه الرسالة وعظمة هذا الدين الذي يستحق أن نقدم من أجله النفس النفيس، لأن قوى العالم المستكبرة قد أجمعت في هذا العصر كل قوتها لأجل تشويهه ومحاربته وتقديمه بالشكل الذي يريده أعداؤه ، وإفراغه من معناه في القلوب حتى يفقد قيمته .
هم يريدونه أن يصبح مجرد اسم بلا هوية ولا أتباع حقيقيين إنما صورة جوفاء فارغة خاضعة ومنقادة ومذعنة بكل ما تملكه لهم وتحت لوائهم.
نعم. إنها حرب على الدين والأمة بلا هوادة، وإن لنا الشرف في أن نخوض غمارها بكل جدارةٍ وإرادة، وإن الله قد تكفل بالنصر والتمكين والغلبة مهما تكالب الأعداء إن نحن ثبتنا وصبرنا وقمنا بما أراده الله منا لينجز لنا وعده، وما يريده لنا من دور في هذه الحياة ومن الاستخلاف في الأرض.
ونحن على ثقة أن الشرارة الأولى ومنطلق التغيير في المنطقة بأسرها بل في كل العالم سيكون من بلد الحكمة والإيمان، وهذا ما يعلمه الأعداء جيداً لذلك يمعنون في الحرب والعدوان علينا بكل ما يمتلكون من عدة وعتاد.
والمؤسف حقاً أن هناك من هو تحت هذا العدوان والحصار لكنه لم يعقد النية الصادقة في قلبه بـأنَّ عليه مواجهته بكل ما أمكنه والتصدي له، وإنما كل ما يجيده هو السخط والتذمر وبث الشائعات والإرجاف وتوجيه كل جهده تجاه الشرفاء ممن يتصدون لهذا العدوان الغاشم بكل ما أمكن وبكل ما يستطيع، بدون فائدة، فجهوده تذهب هدراً أمام وعي المجتمع وتكون في النهاية حسرة عليه،ً ومرارة في قلبه، فلا هو استخدمها في ما يرضي الله ويريح ضميره وإنسانيته ليحظى شرف التصدي لهكذا عدوان على بلده وأمته، وينال الأجر العظيم الذي وعد الله به المجاهدين في سبيله وإعلاء رايته ، ولا هو سَلِم من تبعات العدوان والحصار الذي فُرِضَ عليه وعلى بلده!
وقد يكون ممن ينتظرون ساعة الانتصار ليتسلق عليها بكل زهو ويفاخر بما لم يكن له أي يدٍ في إنجازه بل ربما كان ممن يحاربون من يسطرون المجد والانتصار .
إن عدنا للحديث عن حجم التضحيات التي نقدمها في كل يوم فإنها مهما عظمت، إلا إنه بقدر عظمة الهدف وأهميته يكون الصبر والبذل في سبيله ولأجل تحقيق غايته.
وكلما بلغ الإجرام ذروته وثقنا أكثر من اقتراب الفرج والنصر الذي سيكون بحجم هذا البذل والصبر ، وكأنَّ التاريخ يعيد نفسه، فهاهو تآلب الأعداء وتكالبهم من يهود ونصارى وأعراب من الخارج ومنافقي الداخل كما كان في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم في المدينة ولن يكون حالنا أفضل من حال نبينا الذي واجه كل هؤلاء بقوة الله وقوة إيمانه ويقينه وتوكله عليه وبكل صبر وبذل وتضحية حتى أظهر الله الدين ونصر رسوله الأمين، وهذا ما سيحققه الله لمن سار على دربه بكلِّ ثباتٍ ويقين، ولا يخلف الله وعده، في نصره لعباده المستضعفين ، وكم سيكون عظيماً وكبيراً النصر الذي هو بحجم هذا الصبر .