على مدى ألف وأربعمِئة سنة وقبل أن تهب نسائم شهر رجب الأصب يبدأ اليمنيون ودوناً عن بقية أبناء الأُمَّــة باستقبال الجمعة الأولى منه كاستقبالهم لأحد الأعياد الدينية فرحين مستبشرين للاحتفال بها ويتفردون بإحيائها كما تفردت هي بهم دون غيرهم وفيها يحتفلون بنعمة الهداية التي منّ الله عليهم بها وَفيها دخلوا في دين الله أفواجاً بعد أن وصل الإمام “علي” -عليه السلام- إليهم حاملاً معه رسالة من “النبي الكريم” يدعوهم فيها إلى دين الإسلام وما إن انتهى -عليه السلام- من قراءتها حتى أعلن اليمنيون إسلامهم ودخلوا في دين الله أفواجاً وجماعات، وبإسلامهم هذا الذي جاء رغبةً لا رهبةً طواعية لا بحد السيف فرح الإمام -عليه السلام- وقال فيهم قصيدة كان نهايتها:
“فلو كنت بواباً على باب جنة لقلت لهمدان ادخلوا بسلام!!”.
ومن فوره أرسل رسالته إلى النبي الكريم يبشره بإسلام أهل اليمن ففرح النبي بذلك كَثيراً وتهللت أساريره وسجد شكراً لله وقال مقولته العظيمة: (أتاكم أهل اليمن هم أرق قلوباً وألين أفئدة، الإيمان يمان والحكمة يمانية).
وهي بمثابة تتويج لليمنيين بأعظم وسام وهي الهُــوِيَّة الإيمانية، أعظم وأقدس وأشرف هُــوِيَّة لا تضاهيها أية هُــوِيَّة في الدنيا، فيها أَيْـضاً نسب النبي نفسه لليمن بقوله: “وأنا رجلٌ يماني”.
وقد استحق اليمنيون هذا التكريم كونهم كانوا من أوائل من دخلوا في الإسلام منذ كان النبي الكريم بمكة وفي مراحل الدعوة الأولى فكان من أوائل من دخلوا بالإسلام هم من أصول يمانية مثل عمار بن ياسر ووالديه والمقداد بن الأسود الكندي فكانوا من عظماء وأخيار صحابة رسول الله وجمعوا بين الهجرة والجهاد والإيمَـان وكانوا يتميزون بالوعي والبصيرة والمنزلة الرفيعة، ثم بعد ذلك كان الأوس والخزرج وهما قبيلتان يمنيتان، هم من احتضنوا الدعوة الإسلامية ونبيها بعد أن حاربها كفار قريش وحاولوا القضاء عليها وعلى نبيها.
تبع ذلك إسلام الكثير من أهل اليمن على مستوى أفراد وقبائل إلى أن دخل أهل اليمن كافة في الدين الإسلامي في جمعة رجب الأمر الذي سر له النبي كَثيراً وَأَضَـافَ قوة كبيرة للدين الإسلامي كون انتمائهم الإيمَـاني كان صادقاً وعن رغبةٍ كبيرة وسريعة.
كان معه أَيْـضاً تجسيد كبير لقيم هذا الدين ومبادئه وأخلاقياته نصرةً وجهاداً وعطاءً وتضحيةً واتضح ذلك من خلال احتضان قبائل الأوس والخزرج للنبي ودعوته، حَيثُ آووه وأصحابه من للمهاجرين وكانوا خير إخوة تقاسموا معهم المال والديار ومثلوا معنى متكامل للأخوة الإسلامية والتراحم والتكافل فكانوا (وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ…)، وكان لهم دور كَبير في تأسيس الدولة الإسلامية فاستحقوا تسمية ربهم (أنصار الله)!!
وظل اليمنيون على عهدهم للنبي بالولاء الصادق لآل بيته حباً ودفاعاً ونصرةً على مدى مراحل التاريخ، وقد جسد اليمنيون المعنى الكامل للهُــوِيَّة الإيمانية ورسخوها كموروثٍ ديني جسده اليمنيون قولاً وفعلاً بتمسكهم بقيم هذا الدين التي جعلتهم ينبذون كُـلّ رياح الحضارة الغربية الزائفة الهادفة إلى هدم قيم الإسلام وجعل أبنائه مُجَـرّد تابعين لكل أهوائهم وضلالهم فيكونون سواءً في الكفر.
كانت الهُــوِيَّة التي بها تمسكنا بمبدأ الولاء لعترة آل البيت والأولياء والصالحين وتبرأنا من كُـلّ أعداء ديننا، هي الهُــوِيَّة التي بها ازددنا بأساً وقوةً في وجه كُـلّ من يحاول المساس بديننا وكرامة أرضنا، هي هُــوِيَّة رجال الله الذين اعتمدوا على قوة الله التي لا تُغلب وبأقدامهم الحافية هزموا أعتى عدوان على أرضهم وجعلهم يأتون صاغرين يطلبون سلامة أرضهم برغم ما يملكونه من ترسانةٍ عسكرية وأسلحة الشرق والغرب التي خارت وتهاوت تحت أقدام اليمنيين.
أيضاً هي الهُــوِيَّة التي بها كنا أكثر وعياً وبصيرةً تجاه الحرب الناعمة التي وقع الكثير من أبناء الأُمَّــة في فخاخها، وكما هي الهُــوِيَّة التي جعلتنا الشعب الأكثر غيرةً وحميةً على ديننا ونبينا وقرآننا الذي يرى فيه أعداء الدين خطراً كَبيراً عليهم وفيه نهضة وعز المسلمين، ولذا فهم توجّـهوا لمحاربته وإعلان العداء له والاستخفاف فيه كما حدث قبل أَيَّـام من إحراق نسخة منه في السويد!! وكما هي الهُــوِيَّة التي جعلتنا الشعب الأكثر دفاعاً عن مقدساتنا التي لأجلها نجاهد ولن يتوقف جهادنا إلا بتحريرها من دنس الغاصبين وأعداء الدين، وَهي الهُــوِيَّة التي تدعو الأُمَّــة للوحدة تحت سياق الهُــوِيَّة الإيمانية الجامعة التي يحسب لها الأعداء ألف حساب.
وأخيراً هي الهُــوِيَّة التي هزمت الإسلام الوهَّـابي المحارب لسنن نبينا والمجرم والمبدع لمن يحيي المناسبات الدينية ومنها مناسبة جمعة رجب التي حاول الوهَّـابيون طمسها للقضاء على هُــوِيَّتنا الإيمَـانية ولكنها كانت أقوى من كُـلّ خططهم وكلما حاولوا وأدها عادت بزخمٍ أكبر بفضل أعلام الهدى من آل البيت واليمنيون الأكثر وعياً وبصيرة.