منذ إعلان بنيامين نتنياهو تشكيل حكومته، التي تضم كافة تشكيلات اليمين المتطرف، كما يوصف، وإعادة بلورة وزارات ونقل صلاحيات بما يرضي شركاءه، صدرت تحذيرات «إسرائيلية» من خطوات أعضائها، التي قد تدفع نحو تفجير الأوضاع على امتداد الأراضي الفلسطينية المحتلة.
عملية إعادة بلورة الصلاحيات، التي لقيت وما زالت معارضة داخلية، قد تكون وراء تصعيد جيش العدو عملياته العدوانية في الضفة الغربية المحتلة.
في هذا السياق، يمكن تفسير الاعتداء الكبير الذي نُفذ فجر الخميس في مدينة جنين ومخيمها، والذي أسفر عنه استشهاد عشرة فلسطينيين وإصابة العشرات.
الخطوة العدوانية لحقها تصعيد مدروس من غزة ليلاً، تم تداركه عبر «الوسطاء» الاعتياديين، لمنع انزلاق «الجولة» القتالية إلى معركة واسعة النطاق. كان واضحاً من خلال البيانات الدولية أن أحداً لا يريد اتساع رقعة المواجهة. وهو ما يفسره الرد المدروس الذي انطلق من غزة، والذي ثبت عملية «وحدة الساحات».
بالعودة إلى عدوان جنين، برر «الإسرائيليون» العملية بأنها استهدفت مجموعة من حركة الجهاد الإسلامي «متورطة في عمليات إرهابية، وتُعِد لعمل إرهابي كبير»، حسب ما زعم بيان جيش العدو. لم يحدد البيان طبيعة العملية؛ لكن مؤشرات وتحليلات أشارت إلى أن العملية المزعومة ربما كانت ستستهدف عمق الأراضي المحتلة.
في حال ثبت أن هدف عدوان جنين هو منع عملية في العمق (وهو حق مشروع للشعب الفلسطيني) فإن عملية القدس التي وقعت ليل الجمعة السبت وأسفر عنها مقتل ثمانية مستوطنين وإصابة ما يزيد عن العشرة، بعضهم جروحهم خطرة، ونفذها الشاب الفلسطيني خيري علقم، قد ضربت هدف العدوان على جنين، الذي أراد «الإسرائيليون» من خلاله بعث رسائل قوة، وإظهار قدرات أمنية واستخبارية عالية، وقدرة على العمل الاستباقي لمنع أعمال فدائية ضخمة.
بغض النظر عما إذا كان الاستشهادي خيري علقم ينتمي إلى فصيل مقاوم أم لا، فإن العملية تعد ضربة أمنية لاستخبارات العدو، التي لوحظ أنها أُربكت خلال الساعات الأولى للعملية، وهو ما انعكس تضارباً في التصريحات، ظهر واضحاً في الإعلام «الإسرائيلي».
أتت عملية القدس لتؤكد:
- أن اجتياح مدن الضفة لن يمنع العمليات في العمق.
- أن كل فلسطيني هو مشروع عملية فدائية قد تقع في أي مكان دون كشفها.
- أن وحدة الساحات أصبحت منهجاً راسخاً في عقول الشبان الفلسطينيين.
- أن أي رد وإجراءات قد تقدم عليها حكومة نتنياهو ستأتي بردود عكسية، ولن تمنع العمليات الفدائية.
إن عملية القدس، في ظل الخسائر البشرية التي لحقت بـ»الإسرائيليين» ولم يشهدوها منذ زمن ما بعد انتفاضة الأقصى، والمشابهة لعمليات وقعت خلال العامين الماضيين، تعد ضربة لحكومة نتنياهو وللأجهزة الأمنية الصهيونية، خاصة في التوقيت الحساس جداً الذي يعيشه الكيان في ظل أزمته الداخلية، وتحذير بعض الأوساط من انزلاق الأمور إلى «اشتباك أهلي»، كما يعبر ساسة «إسرائيليون».
كاتب وإعلامي لبناني
* نقلا عن : لا ميديا