الملاحظات:
في صنعاء أينما ذهبت -على ضيق شوارعها أصلاً- تطالعك الحواجز الخرسانية هنا وهناك، بل قد تقطع الشارع الذي أنت مار فيه، لتجبرك على العودة أو تحويل مسيرك إلى شارع فرعي أو حتى زقاق.
أو قد تضايقك في شارع رئيسي عام لتقتطع جزءاً من الشارع على طول يمتد عشرات الأمتار، أو قد تضايقك في أزقة صنعاء القديمة، وحتى قد تغلق في وجهك الزقاق لتجبرك على العودة من حيث أتيت.
أما لو تحدثنا عن الحواجز الخرسانية في داخل الحارات لاسيما حي حدة -ولا نبرئ الأحياء الأخرى- فحدث ولا حرج..
في أرجاء صنعاء.. سلطة عليا، وزارة.. ثم تدرج نزولاً وصعودا.. فهنا مقر شركة لا بد أن تقتطع الشارع طولاً من المارة والسيارات، وهناك سفارة لا بد أن تغلق الشارع أو تجتزئ منه، وهناك منظمة تغلق الشارع أو تقتطع منه أو حتى تحوله إلى موقف خاص بها، وهناك معسكر أقفل شارعا أو اجتزأ منه، أو حتى قسم شرطة، أو بيت مسؤول، أو بيت شيخ، أو بيت نافذ.. إلخ.
لا يمكن أن يظل شارع سفارة الولايات المتحدة أو السفارة الألمانية مغلقا أو مجتزأ منه، فهذه رموز للاستكبار العالمي، لكن مبنى الأمن القومي في صنعاء القديمة ومبنى الأمن السياسي في الحي السياسي - مزان لقمع كنا من ضحاياه سابقاً- أغلقا واقتطعا شوارع وأزقة ويضايقا جيرانهما من الساكنين والمحال التجارية وغيرها، بل أغلق مقر الأمن السياسي شارعاً رئيسياً تماماً، لكن وإن كانت إلا أنها تظل إحدى أدوات القمع التي ثرنا ضدها وأصبحت أداة من أدواتنا فتظل كما هي مستغلة للشوارع والأزقة وجيرانها.
كل هذا رغم الإنجاز الأمني العام المشهود لحكومة «الإنقاذ» في صنعاء، تستحق له وزارة الداخلية وجهاز الأمن والمخابرات وكوادرهما بكل جدارة الشكر والعرفان لما حققوه، في ظل ظروف استثنائية تمر بها البلاد.
يؤسفني فعلاً أن أشير إلى سور «الشبك» للبيت الأبيض، والحواجز الخرسانية المعدومة حوله التي لا تكاد أن تبين، تعبيراً عن ماذا؟ ألا نمتلكه! ناهيك عن المظهر الحضاري المشوه والمخدوش، تلك اللغة التي كثيراً ما لا تُقرأ أو تُستوعب عندنا.
زرنا كثيرا من الدول في العالم -حينما كنا نسافر- وكنا في ما بيننا نتندر ونقيس قوتها الأمنية الفاعلة عن الجبرية القهرية، بعدد الحواجز ونقاط التفتيش والأسلاك الشائكة، وكم مرات يُطلب منا كأجانب إبراز جواز السفر من قبل رجال الأمن، ونرى أنه كلما قلت هذه المظاهر وأحيانا تنعدم تماماً، فنعي ما تمتلكه تلك الدول من جهاز أمني فاعل مكين.
التوصيات:
من الإنصاف العام والمظهر الحضاري، والتنفيس عن الزحام ومضايقة الناس لضيق شوارع صنعاء ناهيك عن أزقتها، وإلغاء وحذف بقايا مظاهر السطوة والنفوذ غير المشروع، فالمصلحة العامة لا تنتهك لحساب مصلحة خاصة، وبشكل عام، نقترح التوجيه بالتالي:
- تُرفع جميع مظاهر الحواجز الخرسانية في صنعاء أياً كان مبررها، وتُفتح الشوارع والأزقة المغلقة، وتُرفع الحواجز الخرسانية بجميع أنواعها التي تقتطع جزءاً أو أجزاء من الشوارع والأزقة والساحات العامة، بذريعة دواعٍ أمنية أو غيرها، سواءً كان شارعاً رئيسياً أو فرعياً أو ثانوياً أو حتى زقاقا من أزقة صنعاء القديمة.
- يتم دراسة نقل مقر الأمن القومي ومقر الأمن السياسي إلى مقر مناسب -لاسيما وقد دُمجت في جهاز واحد- بحيث لا يُضايق جيرانه من السكان، وتحويل المقر الحالي للأمن القومي إلى متحف انسجاماً مع موقعه ومحيطه المعماري، وتحويل المقر الحالي للأمن السياسي إلى مستشفى حكومي عام.
ما أروع أن يأتي يوم يلاحظ الناس بقايا مظاهر للقمع ومضايقة الناس كانت.. طواها النسيان وحل محلها ما يسعدهم..
وبالله التوفيق.
* نقلا عن : لا ميديا