الملاحظات:
تكلسنا وتكلست مناهجنا الدراسية ومفكرونا في الجوانب العامة كلها عكس القطاع الخاص على قصور فيه، وعجزت الرؤى التنظيمية أن تتفتق عن حلول تنظيمية جذرية، جامدة بما تلقته أو نقلته من الخارج منذ عقود، مصادرها الغربية نفسها قد هجرتها وأرست غيرها، ونحن مازلنا كما تُركنا في اتساق وتناسق عقيم مع محيطنا العربي.
الإصلاح الإداري الذي تحتاجه أجهزة الدولة وكادرها ليس التدريب والتأهيل بدورات وورشات تدريبية هنا وهناك بين الحين والآخر لمجموعة ما من القيادات السياسية والإدارية مرة، ومجموعة أخرى مرةً، أو استحداث وظائف أو وحدات جديدة أو موازية، أو قانون أو قرار أو لائحة أو حتى ما سُميت "مدونة سلوك وظيفي".. حتى خلص الأمر مؤخراً للقول "الوضعُ مزرٍ"!
هكذا الوضع دواليك منذ النظم السابقة لا جديد جوهري، ودليل عدم كفاية أو كفاءة تلك الإجراءات المجتزأة بقاء الوضع على ما هو عليه منذ ثورة الـ26 من سبتمبر طوال ما يزيد عن ستة عقود، لم تنجح الدولة اليمنية في تحقيق الاستقرار السياسي أو إرساء تنمية اقتصادية ناجعة. ذاك أن الأمر سياسياً محاصصة وتقاسم وتراضٍ وولاءات ومحسوبية أو منسوبية.. إلخ.
ذاك أن الخلل ليس جزئياً ليُعالج بإجراءات جزئية هنا أو هناك، وخلل جذري في البناء الهيكلي التنظيمي تضخم وتداخل وتعدد غير مبرر، وتورم مفجع للكادر البشري، بطالة مقنعة، وتكرار، وازدواج وظيفي، وكفاءة وظيفية ضعيفة جداً، وتقادم ونقص كبير في قوانين ولوائح ونظم العمل.
مادامت المصلحة الخاصة مقدمة على المصلحة العامة، والبناء التنظيمي والوظيفي بعيداً عن القاعدة الذهبية "الحاجة تحديداً في إطار التكلفة والإنتاج"، والتخصص والاختصاص، فأي حديث عن الإصلاح الإداري بمعزلٍ عن الإصلاح السياسي والإداري الشامل، مجرد حديث الطرشان لمعالجة الخلل بإجراءات جزئية لظواهر فقط منبعها وقائع قديمة مازالت قائمة.
وليعلم من لا يود أن يعلم أن الوزارات ووحداتها التابعة لدينا، أكثر من وزارات ووحدات حكومة جمهورية الصين الشعبية بسكانها المليار ونصف المليار، وعدد الكادر الوظيفي في الولايات المتحدة ذات الـ350 مليون نسمة، مليونان فقط، فكم كادر حكومتنا!
التوصيات:
الحل هو خطة تنفيذية كاملة ومُزمنة لـ"الإصلاح السياسي والإداري الشامل" مرسومة وفق منهجية "النموذج فالتطبيق"، قائمة على قاعدة "الحاجة تحديداً في إطار التكلفة والإنتاج". وكما يلي:
- الإصلاح الإداري الشامل:
أ. إعادة هيكلة وزارات وأجهزة الدولة بالدمج والإلغاء من 31 وزارة وأكثر من 180 وحدة تابعة، إلى 10 وزارات وأقل من 100 وحدة إدارية تابعة فقط.
ب. تحديث واستكمال قوانين ولوائح ونظم العمل وأتمتتها لتصبح أكثر فاعلية وجودة ومواكبة.
ج. فرز الكادر الوظيفي باستبعاد (متقاعد حكماً، مزدوج، بطالة مقنعة، تضخم) وتأهيل وتدريب المتبقي تخصصياً واختصاصاً.
د. استحداث وزارة المشاريع (الوزارة العاشرة) لاستيعاب الكادر الفائض في مشاريع إنتاجية وخدمية تمول من صندوق التأمين (سبق أن تناولنا هذا الموضوع في العدد 1126)، ليتحول الكادر البشري من عالة على الحكومة إلى منتج يرفدها بإيرادات.
تُعد الخطة على مستوى الدولة، ثم يُنتقى أنموذج للبدء به وتنفيذه، حتى إذا ما نجح مستفيدون بالدروس والملاحظات.. ننطلق باستكمال الإصلاح الإداري، والبدء بالإصلاح السياسي متخذين النموذج الناجح دليلاً للإصلاح المزمع لنوال ثقة وتأييد الشعب.
- الإصلاح السياسي الشامل:
خطة تنفيذية متكاملة لتصحيح النظام السياسي في اليمن ليمثل موروثه الحضاري والاجتماعي، وهويته الإيمانية، والحديث له تفاصيل لأولي الشأن والعلم، بعيداً عن النقل الجامد التقليدي الذي أثبت طوال ستة عقود عقمه وفشله.
وبالله التوفيق..
* نقلا عن : لا ميديا