لم أتفاجأ وأنا أتابع أخبار مذكرة اعتقال صادرة عن ما يسمى بـ (محكمة الجنائيات الدولية) بحق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، رئيس أكبر وأعظم دولة نووية تمتلك بلاده ترسانة من الأسلحة الاستراتيجية الفرط صوتية إضافة لأكثر من ( 16000) الف رأس نووي، وقدرات اقتصادية هائلة وعلاقات جيوسياسية وهي من تقود العالم إلى (عالم متعدد الأقطاب) قهرا وقسرا رغم أنف أمريكا والإسطبلات الاستعمارية الغربية وعدد من الدول المرتهنة لهم..!
مذكرة الاعتقال هذه تعبر عن حالة إفلاس وسقوط أخلافي أمريكي _غربي، ناهيكم أن الخطوة تمثل صورة من صور ( السخرية والاستهزاء) التي يتعامل بها الغرب الاستعماري مع خصومه وان كانوا أكثر من أنداد له، ثقافة الانتقاص هذه التي يتعاطى بها (البيت الأبيض) والمنظومة الاستعمارية الغربية التي تحن لماضيها الإمبريالي وتحاول جاهدة الإبقاء وان على هيمنة معنوية واعتبارية على الآخر الحضاري..
موقف أمريكا والمنظومة الاستعمارية الغربية والمحكمة الجنائية الدولية، تذكرنا بأحداث رواية (رد قلبي) للكاتب العربي يوسف السباعي والذي تحولت إلى فيلم أنتج عام 1957 م والرواية تحكي قصة شعب ثار ضد رموز الظلم والاستعلاء، وكيف تحول (ابن الغفير) وخادم الأمير المتسلط خريج الكلية الحربية إلى أحد ضباط الثورة ورئيس لجنة حصر ممتلكات الأمير المتسلط والمتغطرس الذي ذهب اخيرا ضحية غطرسته واستعلائية ونظرته الدونية لشعبه وسخريته من إرادة شعبه، الحال نفسه ينطبق على سلوكيات ومواقف أمريكا والغرب الذين يرفضون فكرة تقدم وتطور الآخر الحضاري ورغم انهيارهم يصرون على نظرة الآخر كمجرد (عبد) في إسطبلاتهم ليس إلا..؟!
ثقافة ومفردات الإعلام الأمريكي _الغربي السائد اليوم تجاه روسيا والصين وإيران، هو ذات الخطاب الذي تم تسويقه قبل أكثر من عقدين بحق أنظمة وحكام وجيوش عربية وإسلامية، وهو خطاب حافل بالمفردات الانتقاصية والساخرة مثل (ملالي إيران) و(جيش صدام) و(شبيحة الأسد) و(مليشيات القذافي) وحين يتحدثون عن (حزب الله) يقولون (مليشيات إيران في لبنان) وصولا إلى (مليشيات إيران في اليمن) و يتجاهلون أن (ملالي إيران) بنوا دولة إقليمية ذات قوة ونفوذ، وان (حزب الله) هزم الجيش الذي لا يقهر ومرغ كرامته وكيانه وكل من راهن عليه بالتراب، وان (مليشيات إيران في اليمن) واجهت تحالفاً دولياً بكل قدراته المادية والمعنوية والعسكرية، واستطاعت أن تفشل مؤامراته بحق اليمن وإسقاط كل مخططاته.
واللافت أن الخطاب الانتقاصي الذي سخرت له أمريكا ومنظومة الغرب الاستعمارية ماكينة إعلامية جبارة وأنفقت في سبيل تسويقه والنيل من خصومها في المنطقة، لم تجرؤ أن تسخره لخصومها الكبار مثل روسيا الاتحادية وإيران والصين، وهم من فرضت عليهم عقوبات اقتصادية هائلة وغير مسبوقة وحصار متعدد الجوانب، لكن لم يتجرأوا بعد في الحديث عن (جيش بوتين) أو (جيش شي بينغ) بل راحت توجه ضدهم سلسلة عقوبات فيما حقوق الإنسان ورقة توظفها بصورة مثيرة ضد إيران في وقت نجد فيه أمريكا والأنظمة الغربية تهين مواطنيها وتمتهن كرامتهم في كل مدنها وشوارعها على خلفيات أزمات سياسية واقتصادية واجتماعية بل و وجودية، ويمارسون قمعا غير مسبوق بحق شعوبهم دون خجل وفي تناقض مريع، فيما الحقوق والحريات لم تكن لديهم سواء شعارات جوفاء أثبتت تداعيات الأحداث انهم ابعد ما يكونوا عن هذه القيم.؟!
مذكرة الجنائية الدولية التي لم تعترف بها غالبية دول العالم كان الأجدر بها لو كانت فعلا محكمة محترمة تسعى لتحقيق العدالة الإنسانية أن تصدر مذكرات توقيف بحق من غزو العراق ودمروها بكذبة، وبحق من دمر سوريا وليبيا وقتل شعوبهما، وبحق من قتل الشعب اليمني، لكن قبل كل هؤلاء كان الأجدر بهذه المحكمة التي تتبع عمليا مكتب العلاقات العامة بوزارة الخارجية الأمريكية أن تحاكم القتلة في الكيان الصهيوني المحتل الذي يقتل الأطفال والنساء والشيوخ في فلسطين ويهدم البيوت على رؤوس سكانها.. هذا العدو الذي ارتكب عبر تاريخه أبشع الجرائم بحق الشعب العربي في فلسطين لم يرتكبها قبلهم محتل ومستعمر وغازٍ إلا الأمريكان حماة ورعاة هذا الكيان الاستيطاني المجرم..
الذي يهدم البيوت على سكانها ويجبرهم على دفع تكاليف الهدم بذريعة (البناء بدون ترخيص) عقاب يطبقه على أصحاب الأرض أمام مرأى ومسمع من العالم والمحكمة الجنائية الأمريكية الاستعمارية التي لا تقل وقاحة في سلوكها عن رعاتها الذين أوجدوها لتكون سيفا مسلطا على رقاب الضعفاء.. لكن المحكمة هذه ربما تجاهلت أنها استدعت رئيس روسيا الاتحادية التي تعيد تشكيل خارطة العالم ونواميسه وتشريعاته، روسيا التي ستمتد يدها قريبا لهذه المحكمة ذاتها ولكن لتعديل هويتها وتصحيح مسار عدالتها بحيث تطال المجرمين الحقيقيين بحق البشرية..؟!