مازلتُ أحتفظ بأشياء كثيرة موجعة قرأتها في كتب التاريخ. وكلما قرأتُ شيئاً جديداً فتح لي نافذة لفضاء أوسع، وتساؤلات ترتدُّ دون أن تجد من يجيب عليها. فالتسليم بما وصل إلينا أصبح هو الدرع التي نتَّقي بها كلَّ تساؤل، فنبتلع تساؤلاتنا ونمضي في طريقنا دون أن نتوقف لنستوضح ما التبسَ علينا، وما أشكَلَ فهمه.
قراءة التاريخ أصبحت تُهمة؛ رغم أنك تقرأ لتعرف الحقيقة فقط، وتكتشف أشياء كنت تعتقد بخلافها، ثم يأتي من يقول لك: إلى ماذا تريد أن تصل؟ أو يقول لك: تلك أمة قد خلت!..
متى خَلَت تلك الأمة ونحن مازلنا نتصارع لأجلها ونتقاتل على تصرفاتها وموروثها الذي مازلنا نحمله على ظهورنا كمسلَّمات لا يجري عليها الجَرح والتعديل، ولا يجوز الحديث عنها والخوض فيها؟! فذلك ما يوجب الريبة ويجعل أصابع الاتهام تشير إليك على أنك تتتبَّع هفوات السَّلَف وتتصيَّد أخطاءهم، رغم أن الأمر لديك ليس بهذه الصورة التي يرونها.
“تلك أمة قد خلت”، نعم؛ لكنَّا مازلنا مشدودين إلى أوتاد مضاربها العتيقة، ومازلنا محكومين بقوانين ذلك العهد، التي لم تعد صالحة للاستخدام في القرن الحادي والعشرين، فقد اندثرت أدواتهم ولم تعد مناسبة للتعامل بها، تماماً كالأوراق النقدية القديمة التي لن تشكِّل لك أية ثروة في هذا العصر، حتى وإن كنت تمتلكُ الكثير منها، وستكون أشبه بنقود أهل الكهف، التي فضحَتهم في سوق المدينة وكانت دليلاً على أنهم يعيشون في عصرٍ غير عصرهم.
لقد أغلق الأولون باب الاجتهاد كي يتمكنوا من السيطرة على عقولنا، واعتقدوا أنهم وصلوا إلى ذروة المعرفة، وما سيأتي بعدهم ليس إلا تكراراً لما وصلوا إليه. هكذا كان يخيَّل إليهم، رغم أنهم لم يصلوا إلى شيء مقارنة بما نعاصره الآن.
* نقلا عن : لا ميديا