مع بداية الألفية الثالثة كانت أمريكا قد نصَّبت نفسَها رَبًّا لا يُعصى له أمر على هذه الأرض، بعد أن أحاطت نفسها بهيلمان وعظمة تخيف بهما أصحاب القلوب الضعيفة بالذات الخائفون على عروشهم ومناصبهم، وَهاجت وماجت بشرها على الأُمَّــة العربية والإسلامية بشكل خاص تحت ذريعة محاربة الإرهاب الذي لم يكن إلا صنع عقول أمريكية صهيونية بلغ بها العداء والحقد على الإسلام مبلغه، وأعلنها بوش الأب “أن من لم يكن معهم فهو ضدهم” ولهم ذلّ العالم بما فيهم العرب والمسلمين الذين باتوا يعيشون حالة من الذل والهوان لليهود والغرب الذين أوصلوهم لقعر سحيق وواقع مرير وأفقدوهم منعتهم وقوتهم التي كتبها الله لهم كخير أُمَّـة أخرجت للناس.
في هذه الأثناء وفي أقصى الشمال اليمني كان السيد “حسين بدر الدين الحوثي” بوتيرةٍ عالية يرقب الأحداث ويدرس عن كثب الأسباب التي أوصلت أُمَّـة محمد لهذا الوضع المزري من الذلة والمسكنة ويسقطها على القرآن ومنه يبحث عن الحل الناجح الذي يعيد الأُمَّــة لسابق مجدها وهيبتها تحت قاعدة “عين على القرآن وعين على الأحداث” التي سار عليها في مشروعه القرآني التوعوي التنويري للأُمَّـة، ومن آياته استنتج أن لا حَـلّ للأُمَّـة يقيها شر أعدائها إلَّا بالعودة للقرآن وآياته الفاضحات لليهود وأهل الكتاب وأفعالهم التي تصب في محاربة الإسلام، أضف إلى الآيات المحرمة توليهم والقربى منهم خشية دائرتهم، ومن هذه الآيات استل السيد سلاحاً قوياً سيكون له أثرٌ في صد هجمتهم الشرسة على الإسلام وأهله، تمثل بالشعار الذي أطلقه الشهيد القائد كسلاح وَموقف للأُمَّـة ضد أعدائها في زمن كان الصمت هو سيد المواقف، ومن خلاله أراد السيد حسين تأصيل الهُــوِيَّة الإيمانية الجامعة للأُمَّـة وَتعبئتها للثورة ضد مخطّطات أمريكا واليهود ومساعيهم الهادفة إلى تمزيق هُــوِيَّتهم؛ فكان الشعار هو بمثابة إعلام رفض لهيمنة أمريكا علينا كأمّة يفترض أن تكون هي سيدة الأمم.
ومن جبال مران أطلق صرخته بالموت والهلاك لأمريكا والصهيونية؛ كونه يدرك مدى رعبهم من ذكر الموت كما ذكر ذلك الله في آياته المحكمات، ومنها لعن اليهود كما لعنهم الله ووجه أصحابه بترديد كلمات الشعار في مجالسهم ومساجدهم وكلّ مكان يجمعهم واعداً لهم بأنه سيأتي اليوم الذي يثمر فيه صوتهم المتبرئ من أعداء الله ويؤتي أكله ويتوهج نوره ويصل صداه إلى كُـلّ اليمن ومناطق أُخرى!!
فصرخوا معه بصوتٍ وصل صداه إلى مسمع السفير الأمريكي الذي أدرك ما تكنه هذه الكلمات من خطر على بلده ومدى فاعلية هذا الصوت في وأد مخطّطاتها وفضحها وأمام السلطة العميلة آنذاك أبدى انزعَـاجه من هذا الصوت القادم من صعدة وأمرهم بإسكاته.
ومن فورها السلطة أرسلت رُسُلَها تأمر السيدَ وأتباعَه بالسكوت وإلا فدونها الحرب والنكال، فكان الرد عليهم من الشهيد القائد بأن (إذا كانت عليكم ضغوط من أمريكا فنحن علينا ضغوط من الله) بما معناه الرفض لأوامرهم بالصمت.
فما كان من السلطة إلا أن توجّـهت بقضها وقضيضها إلى صعدة لإسكاتهم بقوة السلاح وبدأتها حرباً على كُـلّ من يصرخ، وَعليهم نفذت حملات اعتقالات وفصل من الوظائف العامة، وكلّ وسائل الترهيب مارستها ضدهم، أضف إلى تشويه المشروع القرآني والسيد حسين أمام المجتمع اليمني والعالم.
وبعد فشلها في إسكاتهم أعلنتها حرباً عسكريةً لا تبقي ولا تذر، حتى أن صعدة عرفت أيامها “بالأرض المحروقة” ارتقى خلالها السيد حسين مع بعض أتباعه شهداء، وعليه قال رئيس السلطة: (ابلغوا السفير الأمريكي أننا قتلناه) متباهياً بفعلته ونصره، ولم يكن يعلم أنما هي بداية السقوط وأن الدم الطاهر الذي سقط على الأرض غدراً ونكثاً للعهد سينبت أشجاراً سامقة من الحرية والكرامة المعززة بوعي المشروع القرآني، الذي فيما بعد اجتث أمريكا وأحبط مكيدتها ومعها اجتث كُـلّ عميل وخائن وتحقّق وعد السيد حسين لأتباعه، حَيثُ أصبحت الصرخة هي شعار كُـلّ مظلوم في هذا العالم تذوق مرارة الظلم الأمريكي، وكذلك استطاع الشعار أن يوحد أحرار الأُمَّــة تحت محور واحد ضد الصهاينة وأمريكا، يجمعهم هدف تحرير فلسطين والمقدسات الإسلامية وحماية المنطقة العربية من كُـلّ خطر يتربص بها، أضف إلى الوعي الكبير الذي أحدثه الشعار في تصويب بوصلة العداء تجاه العدوّ الحقيقي الذي حاول جاهداً أن يحرف الأنظار عنه صوب إيران ومحور المقاومة.
والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم ونحن نعيش حالة العزة والكرامة التي نحن عليها رغم تكالب العالم لإعادتنا إلى المربع الأمريكي والصهيوني وفشلهم الذريع في ذلك: ماذا لو لم تكن الصرخة في وجه المستكبرين شعارنا، وماذا لو لم يكن السيد حسين ومشروعه القرآني هو وجهتنا وتوجّـهنا؟