حاول قادة الكيان تصوير وحدة الساحات، والمقصود وحدة الضفة الغربية والقدس والداخل الفلسطيني المحتل عام 1948، ومثلها وحدة الجبهات، والمقصود جبهة فلسطين وجبهة لبنان وجبهة سورية، وصولاً لجبهات أخرى كمصر والأردن، وربما العراق وإيران، بصفتها مشروعاً مبرمجاً يقف وراءه محور المقاومة كخيار، وبالتالي فهو قابل للتعطيل، وبذلوا لتعطيله جهوداً واضحة، سواء من خلال محاولات الاستفراد التي ينظمونها في ظروف يراهنون أنها لن تتيح للساحات الأخرى غير المستهدفة، أو الجبهات الأخرى غير المعنية مباشرة بالمواجهة، الدخول على خط الاشتباك، وعندما فشلوا أخذوا يبحثون عن أسباب تقنية تتصل بطبيعة خطة الاستهداف وحجم التصعيد الذي يمكن له التحكم بحدود دخول الساحات والجبهات على خط المواجهة.
فات قادة الكيان ومخابراته وعقوله الاستراتيجية، أن هذا الخيار الذي لا يخفي محور المقاومة تبنيه، يستند بقوة إلى حقائق تجعله قدراً، بمعنى أنه نتيجة حكمية لا مفرّ منها بقوة العناصر التي ترسم علاقة الكيان بمفردات الساحات ومكونات الجبهات، حيث يكفي أن تنطلق قوانين الحركة الطبيعية غير المسقوفة بالخوف، أو الشعور بالضعف، حتى يجد الكثيرون أن موقعهم الطبيعي والتحديات التي يفرضها الكيان بوجوده فقط، ودون أن يؤتي بحركة، هو في خط الصراع مع هذا الكيان، القائم أصلاً على وضع اليد على حقوق تاريخية ثابتة لهؤلاء الآخرين المعنيين بوحدة الساحات ووحدة الجبهات.
ما يجري في الضفة الغربية، وما يجري في الجولان العربي السوري المحتل، والتداعيات التي فرضها هذان الحدثان تقول إن نابلس تحركت لأنها رأت بأم العين ما جرى في جنين، وهي تعلم علم اليقين ما يبيته لها المستوطنون إذا استتبت لهم السيطرة وفرضوا إرادتهم، فسبقتهم بخطوة قبل أن يسبقوها بخطوتين، كما قال ما جرى في ترمسعيا، من إحراق للبيوت والممتلكات الفلسطينية على أيدي المستوطنين، ويقول إن نابلس استمدت الروح من جنين ببسالة المواجهة ومعاني النتائج، لكنها أعادت الروح إلى جنين بما قدمت وقالت إن القاعدة الحاكمة هي أنه لا أمن للاستيطان في الضفة بمثل ما قالت جنين إن لا أمن لجيش الاحتلال، ومع الضفة وخلفها تقف غزة مستنفرة لتدخل على الخط قبل أن يأتيها الاحتلال بحرب جديدة إذا تمكن من إخضاع الضفة وفرض إرادته عليها، ومثل غزة القدس والداخل.
في الجولان نهوض شعبي رائع سطر ملاحم مواجهة بطولية مع جيش الاحتلال، ومن دون خطة لوحدة الساحات والجبهات، استنهض الجولان الجليل، بل وفتح الباب لجبهة سورية وجبهة لبنان، حيث تدفق المواطنون اللبنانيون والسوريون من بيئات لم تكن المقاومة على جدول أعمالها، ليفرضوا إيقاع وقفتهم التضامنية مع الجولان، وسوف يفرضون على قيادات سياسية كانت تنادي بالنأي بالنفس عن خط المواجهة، أن تنخرط فيها خارج توقعات قادة الكيان. وهذا التصاعد الشعبي يقدم المشروعية الكافية لتوسيع رقعة الاشتباك الذي يقوده محور المقاومة، فتكون وحدة الساحات مدخلاً لوحدة الجبهات، خارج التوقعات والتحليلات ومن حيث لم يحتسب قادة الكيان.
الحقيقة الكبرى التي يرغب كثيرون بتجاهلها، هي أن تعاظم حجم الحراك السياسي الذي تشهده المنطقة حول ملفات كبيرة سياسية واقتصادية، من ملفات الطاقة إلى الشراكات الاقتصادية الضخمة، والتسويات السياسية لملفات فجرت حروباً، سوف تبقى عاجزة عن ضمان الاستقرار في المنطقة، الذي لا نهوض ولا تنمية بدونه، ما لم تعرف فلسطين الاستقرار، وفلسطين والمنطقة لن تعرفا الاستقرار مع بقاء الاحتلال، وأن أي مقاربة لأي ملف من ملفات المنطقة ومنها الوضع في سورية والوضع في لبنان، مجبرة بقوة الوقائع أن تلحظ إجابة على سؤال، هل تأخذ بالاعتبار تعزيز أم إضعاف عناصر القوة بوجه الاحتلال؟
* نقلا عن : صحيفة البناء اللبنانية