الحج فريضة إسلامية عظيمة تمثل الركن الخامس من أركان الإسلام، وهي واجبة على كل مسلم ومسلمة كلما توفرت الاستطاعة، ونخص في هذا الجانب علاقة اليمنيين بهذه الفريضة، لأنهم يولون الحج أهمية خاصة باعتباره واجباً تعبدياً كتبه الله على عباده، إذ نجد أن الاستعداد لهذه الفريضة كان يبدأ من شهر رجب ويشمل توفير المال اللازم لأداء الفريضة والاحتياجات الأساسية من الطعام، لأن مكة كانت مقفرة ولا يوجد فيها شيء مثل اليوم، بل أن اليمنيين كانوا يحتاطون بأخذ الهدي معهم، وكان آخر من أخذ الهدي إلى مكة سيف الإسلام الحسن، فقد أخذ معه أربعة عشر رأس بقر لكي يوزعها على أهل مكة لأن حالتهم كانت بائسة جداً وينتظرون اليمنيين بفارغ الصبر، فلا يجدون الأكل إلا لدى هذه الفئة من الحُجاج، فأهل اليمن كانوا يعتبرونها صدقة لأهل مكة، مع ذلك لم يسلموا من التقطع والنهب والسلب ولم تكن مجزرة تنومة إلا واحدة من المجازر التي تعرض لها اليمنيون بسبب همجية وبداوة قُطاع الطرق من أتباع الوهابية عقب مغادرة الأراضي اليمنية إلى مكة، وأحياناً يتم النهب والسلب في الطريق الفاصلة بين المدينة المنورة ومكة المكرمة، المهم أن الحجاج كانوا بالنسبة لأهل مكة بالذات مجرد فيد، ولهذا كان اليمنيين يحتاطون لأنفسهم فلا يذهبون إلى الحج إلا جماعات، ويوجد شمال صنعاء منطقة اسمها المحجة، وقد سميت بهذا الاسم لأن الحجاج كانوا يتقاطرون من كل حدب وصوب إلى هذه المنطقة لكي يرحلوا جماعات، ولم يقتصر الأمر على اليمنيين بل كان الحُجاج يفدون من باكستان ودول جنوب شرق آسيا لينضموا إلى اليمنيين وتذهب قوافل كبيرة تجنباً لمشاكل قُطاع الطرق، الذين كانوا يعتبرون الحُجاج غنيمة تمكنهم من توفير مؤنة العام، كما قال أحد أبناء مكة وكانت واقعة ساق الغُراب آخر المجازر البشعة حيث قُتل فيها (60) حاجاً، وأصبحت من الحكايات التي تروى على ألسنة البشر حتى النساء يؤدينها على شكل أهازيج وأغاني، ومنها القول “من سلم في تنومة سقط في ساق الغُراب”، أي أن المآسي كانت تُلاحق اليمنيين لكن مع ذلك كانوا حريصين جداً على أداء الفريضة حتى أن أي شخص يتوافاه الله ولم يكن قد أدى فريضة الحج أول ما يوصي به أبناءه هو أداء الفريضة عنه، وقد ارتبطت الفريضة بطقوس كثيرة في الداخل من الوداع وعند العودة، وما ذلك إلا للصعوبة التي كانت تواجه الحاج، والكثير منهم لا يعود ويفقد حياته في طريق الحج، وهذا ما جعل اليمنيين يبتكرون المدارة والأهازيج ويستقبلون الحُجاج بطريقة نادرة لا مثيل لها في أي دولة إسلامية، إذ تستمر ما يُسمى بالمجابرة أحياناً أسبوعاً للميسورين، ويُستقبل الحاج استقبال الأبطال لأنه أدى الفريضة من جانب ونفذ من الموت الذي حصد أرواح الكثيرين بفعل همجية أتباع الوهابية المجبولين على الإرهاب واستغلال الفريضة في مقاصد لا إنسانية، وهنا تكمن المشكلة الكبرى إذ لا يزال آل سعود للأسف الشديد يستغلون فريضة الحج لتحقيق مآرب خاصة بعيدة كل البُعد عن الإسلام، وكما قال أحد اليمنيين – وهو علامة فاضل – “في ظل الأوضاع المتردية في السعودية بتنا نخشى أن نصل إلى اليوم الذي تتولى فيه أمريكا فريضة الحج، بعد أن سيطرت على كل شيء في دول الخليج بالذات، وأصبحت تتحكم في المال والرجال وكل شيء موجود على وجه الأرض”.
من هذا المنطلق يظل اليمنيون هم الأكثر تمسكاً بالفريضة في إطار تمسكهم بأداء أركان الإسلام كاملة وحرصهم على ترجمة الهدي النبوي الشريف وتعاليم الخالق سبحانه وتعالى، فها هي الأيام تُثبت أن بقاء الحج تحت هيمنة آل سعود يعني السماح للفوضى بأن تظل سائدة واختزال الفريضة في طقوس معينة يُقرها نظام آل سعود بعيداً عن الغاية الأسمى والفلسفة الحقيقية لهذه الفريضة، والتي تعنى جمع المسلمين في صعيد واحد لمناقشة قضايا العام، فهذه النقطة بالذات أصبحت من المحرمات التي توجب عقاب من يقوم بها، ولا نذهب بعيداً فقط نتذكر الأشخاص الذين تعرضوا للإهانة والسجن في الفترة منذ بداية العدوان وحتى اليوم، وكأنه لا حرمة ولا قدسية لبيت الله الحرام الذي جعله الله أمناً وحرّم فيه حتى قتل الحشرات، ناهيك عن إراقة دماء البشر، وهذا يجعلنا نُذكر بتلك الصرخة المبكرة التي أطلقها شيخ الإسلام المرحوم علي بن عبد الله اليماني بعدم جواز الحج في ظل نظام آل سعود، وطالب بأن يكون للحج إدارة خاصة تتولاها كل الدول الإسلامية بالتناوب، وها هي الأيام تُثبت بأن الرجل كان مُحقاً لأن فريضة الحج أصبحت وسيلة للمساومة، وهذه دعوة نجددها ونطرحها على عامة المسلمين لضمان استمرار فريضة الحج، كما أرادها الخالق سبحانه وتعالى وترجمها الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم في الواقع العملي.. والله من وراء القصد..