|
دولة حضرموت.. فيدرالية ام استقلال؟
بقلم/ طالب الحسني
نشر منذ: سنة و 4 أشهر و 27 يوماً الإثنين 26 يونيو-حزيران 2023 12:27 ص
على مدى ثلاثة أسابيع بدءا من مطلع هذا الشهر يوليو حزيران وحتى الايام الثلاثة الماضية احتضنت ورعت ومولت الرياض اجتماعات تشاورية لمكونات من محافظة حضرموت “جنوب شرق اليمن” خرجت باعلان مجلس سياسي ” وطني ” حضرمي على غرار المجلس الانتقالي الجنوبي ” الحليف للامارات ” ويسيطر هذا الأخير على ما يطلق عليه الآن “المثلث” يضم عدن ولحج والضالع جنوب غرب اليمن، وفي الحقيقة هو ند له واكثر من ذلك خصم له ، لأنه في الواقع يقوض سيطرة الانتقالي على كل الجنوب ويحاصره في المناطق الغربية.
من غير المستبعد أن يتم الاعداد لمجلس ثالث يضم محافظتي شبوة وابين ( تتوسط المحافظتين المناطق الغربية والشرقية ) خاصة أن دعوات قبلية يحركها شخصيات باتت على خلاف مع السعودية والامارات ايضا تقف وراء هذا التكتل الذي سيكون الثالث ، إذا استبعدنا تكتل رابع يضم المهرة في الاطراف الشرقية الحدودية مع سلطنة عمان بالاضافة إلى جزيرة سقطر .
هذا السيناريو كنت قد أشرت إليه سابقا في مقال لرأي اليوم تحت عنوان التدخل الخارجي يهدد وحدة اليمن أم يقوي شوكة صنعاء ونشر بتاريخ 29 مايو 2023 وخلاصته أن أي دعم خارجي لانفصال جنوب اليمن قد يفتح صراع داخلي جنوبي جنوبي ويقسم الجنوب وبالتالي يفشل مشروع العودة إلى ما قبل الوحدة ، يمن من شطرين جنوب وشمال ، عندما تصبح المعادلة شمال وعدد من الدول في الجنوب.
ما ترسمه السعودية وربما معها الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا هو تقسيم المناطق التي يسيطر عليها التحالف الذي تقوده ويشمل المحافظات الجنوبية وجزء محدود من مارب ( شرق اليمن ) إلى أقاليم ضمن مشروع دولة يمنية اتحادية من عدد غير محدد من الأقاليم ، وهذا الشكل للدولة كان أحد أهم ” مخرجات ” الحوار الوطني الذي رعته ما سمي بالدول العشر الراعية للمبادرة الخليجية بين العامين 2012-2013، مع التذكير بأن إصرار واشنطن والرياض على فرض هذا النموذج كان أحد أهم الاسباب في الحرب الحالية والتي تجري منذ تسع سنوات.
من المؤكد أن هناك صعوبات بالغة وتعقيدات كثيرة تقف الآن في طريق تحقيق هذا المشروع ، دولة اتحادية مقسمة من أقاليم وتتمسك به السعودية ، لأن صنعاء ترفض ذلك ومن المرجح انها ستستخدم القوة العسكرية مثلما فعلت حين منعت تصدير النفط والغاز من موانئ حضرموت وشبوة منذ اكثر من 8 أشهر وتسبب هذا المنع باستخدام الصواريخ والطائرات المسيرة في إدخال “مجلس القيادة” (بديل عن رئاسة هادي) إلى ازمة اقتصادية حادة.
من السهل الآن أن تشكل السعودية مشروع الاقاليم في المناطق التي يسيطر عليها التحالف الذي تقوده ، لكن من الصعب ان تستطيع ان تفرضه على كل اليمن أو ان تحمي سلطات الاقاليم اذا قررت صنعاء حرب التحرير وهي حرب تبدو الآن حتمية للحفاظ على وحدة اليمن.
ينبغي الإشارة هنا إلى ان السعودية فشلت في تحقيق نماذج كثيرة من الخطط منذ 2011 وتعرضت لانتكاسات وخيبات بالجملة في ثلاث مراحل:
المرحلة الأولى : تركيب نظام بديل عن صالح عقب الاطاحة به في 2011 اذ ان المبادرة الخليجية التي صممتها ما سمي بالدول العشر الراعية ( للمبادرة وآليتها التنفيذية ) كانت تهدف لتكوين مرحلة انتقالية مؤقتة لتجاوز 2011 والانتقال إلى تأسيس النظام البديل بقيادة عبد ربه منصور هادي يرتكز على تغيير الشكل السياسي للدولة بالانتقال للدولة الاتحادية المقسمة إلى أقاليم ( مخاطر الدولة المقسمة إلى أقاليم كثيرة وتحتاج إلى مبحث خاص).
هذا المشروع اطيح به على النحو الذي لم يكن متوقعا في 21 سبتمبر 2014 عبر الثورة التي قادها السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي بمشاركة القبائل اليمنية وعدد من الاحزاب السياسية، وصف المبعوث الدولي لليمن جمال بن عمر تلك الثورة بأنها واحدة من الألغاز التي حيرته ، وقال انه سيترك ذلك للتاريخ في حديث له عقب توقيع اتفاق السلم والشراكة (تم الانقلاب عليه من قبل هادي وبحاح) بايعاز من الرياض وواشنطن.
المرحلة الثانية
إعادة عبدربه منصور هادي وما سمي حينها الشرعية باستخدام القوة العسكرية واعلن عن ذلك من واشنطن بصورة رسمية ليلة 26 من مارس 2015 وتشكيل تحالف “عربي” تقوده السعودية وبدعم مفتوح من الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا.
كان المشروع يتضمن الاطاحة بالاخوان المسلمين رغم انهم كانوا شركاء في الحرب ، بل كان الجزء الأكبر مما عرف بالشرعية ، اذ ان اي انتصار سريع كان سيتحقق للسعودية سيمنحها الكثير من الحضور والنفوذ العسكري وبالتالي لم يكن الاخوان المسلمين ( حزب الإصلاح ) قادر على معارضة أي سيناريو ترسمه الرياض التي كانت تعارض وشاركت في الاطاحة بالاخوان المسلمين في مصر الذين وصلوا عبر الربيع العربي.
على ان الاطاحة بهذا المشروع برمته ومنعه من التحقق حدث على يد قوى الثورة نفسها التي أطاحت بالمشروع الاول وتحافظ الان على استمرارها ولا بد من الاشارة هنا إلى أن قائد هذا الانتصار هو السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي ولا يختلف على ذلك احد.
المرحلة الثالثة وهي التي نراقبها الآن تأسيس شرعية بديلة لهادي تستند على المكونات العسكرية التي قاتلت مع التحالف او تشكلت تحت جناحه بمشاركة محدودة للاخوان المسلمين وعبر تشكيل مجلس قيادة من 8 اشخاص برئاسة العليمي ، لكن هذا المشروع ولد ميتا وداخله جذور وعوامل سقوطه بسبب التباينات الكثير داخله والتي تتحول الآن لتصبح عبء ثقيل على التحالف، ان كان سياسيا او اقتصاديا، فضلا عن هشاشة بنيته العسكرية والسياسية التي لا يمكن الاعتماد عليها لصناعة متغيرات على الارض ليس فقط من اجل الحصول على مكاسب تضغط بها في الحوار مع صنعاء بل وحتى غير قادرة على اقناع صنعاء القبول بها على طاولة المفاوضات، ولهذا من المرجح ان يسقط هذا المشروع خلال الفترة المقبلة.
ولعل المرحلة الرابعة هي العودة مرة اخرى لمحاولة فرض الاقاليم.
كاتب وصحفي يمني
@lhasanitaleb
* نقلا عن :رأي اليوم |
|
|