كان هناك خطيبُ جمعة في المسجد الذي بجوارنا، يهدِّدنا بجهنم كلَّ أسبوع ويشرحُ لنا بالتفصيل ما ينتظرنا من العذاب والوعيد إن نحن فعلنا كذا وكذا أو أهملنا في كذا وكذا.. ويكرِّس (خُطبتيه) لينصحنا بالتوبة والرجوع إلى الله.. يُحدِّثنا كأننا حفنةٌ من الكفار، وكأنه الوحيد الذي اصطفاه الله من بيننا وهداه إلى الصراط المستقيم.
يحدثنا أحياناً عن كيفية الوضوء ومبطلاته، وعن أركان الصلاة وسُننها، وهو يرى المسجد يكتظُّ بالناس الذين يصلُّون كلَّ يومٍ، وكأننا لانزال بهذا الخطاب الديني نعيش في نفس المجتمع الذي ظهر فيه الإسلامُ وسط أمَّةٍ غوغاءَ جاهليَّةٍ كانت بحاجةٍ إلى مثل هذا الخطابِ وهذه التعاليم والإرشاداتِ لتعليم المسلمين الجُدد كيفية الصلاة التي هي جديدة عليهم وعلى مجتمعهم، ولسنا بحاجةٍ إلى هذا الذي يشرح لنا هذه الأشياء المفهومة والواضحة التي استقيناها من الجوِّ الأسري الذي نعيش فيه وطبَّقناها عملياً في المساجد التي كان آباؤنا، الذين عرفنا قلوبهم مُعلَّقةً بالمساجد، يصطحبوننا إليها صغاراً، وقرأناها في مناهج الصف الأول الابتدائي في كتاب التربية الإسلامية الذي يشرحُ بالصُّورة كيفية الوضوء والصلاة بطريقةٍ لا أقول ميسَّرة لأنها بالفعل يسيرةٌ حتى على طلاب الصف الأول.. فهل سنظلُّ حتى اليوم نتلقَّى هذه الشروح من بعض خطباء المساجد الذين يتحدثون إلينا كأننا حديثو عهدٍ بالإسلام ونحن نشأنا في بيئةٍ مسلمةٍ ابتداءً من الأذان الذي يكون أول صوتٍ يلقي به آباؤنا في آذاننا منذ اللحظة الأولى التي نخرج فيها إلى الحياة.
يتحدث عن النساء السافرات اللواتي يخرجن إلى الشارع وهنَّ في كامل زينتهنَّ، وعن الأسياخِ النارية والكلابيب التي تنتظرهنَّ في جهنم وبئس المصير، ويشير إلينا بيده وهو يقول لنا: اتقوا الله في نسائكم!
استوقفتُ هذا الخطيبَ ذات يومٍ وقلتُ له: لماذا تُكثر من الحديث في هذا الموضوع ومواضيع تعليم الصلاة ونواقض الوضوء، فقال لي: “وذكِّر فإن الذكرى تنفع المؤمنين”، قلت له التذكير لا يأتي لشيء نفعله خمس مراتٍ في اليوم.. ذكِّرنا بغفلتنا عن أولادنا الذين شغلتنا عنهم الحياة وملاحقة لقمة العيش، هناك الكثير من الآباء لم يعد يقوم بتربية أولاده ولا يعرف مستواهم الدراسي ولا يعرف في أيِّ مدرسة يدرسون، وهناك غالبية من الأزواج لا يعرف ألف باء التعامل مع زوجته وأولاده، ولا يعرف شيئاً عن واجبه تجاههم.
نحن بحاجةٍ إلى تجديد الخطاب الديني بما يتواءم مع العصر الذي نعيش فيه، إذ لا يمكن أن أقوم بتربية ابني بنفس الطريقة والأسلوب الذي تعودنا عليه منذ زمن.. قال الإمام علي بن أبي طالب كرَّم الله وجهه: “علِّموا أولادكم فإنهم خُلقوا لزمنٍ غير زمنكم”.
* نقلا عن : لا ميديا