أصبح الأمر أن نكون أَو لا نكون، خَاصَّةً بعد هُدنة استطالت بين حالة اللا سلم واللا حرب، وطال أمدُها دون أن نلمسَ أيةَ تغيرات تُذكَرُ في مجرى المفاوضات السياسية ما بين صنعاء وطرف العدوان، وبسبب التدخل الأمريكي الذي أَدَّى في آخر الأمر إلى استمرار العدوان والحصار، ونتيجته المحتمة بعودة المسيَّرات اليمنية إلى أجواء تعج بالحقول النفطية وأعمق من ذلك في تلك المنطقة التي جعلت منها أمريكا أرضاً للقواعد العسكرية، وعلى مشارف البحر الأحمر الذي طالما جعلته هدفاً لهيمنتها، بينما اعتلى خشبة المسرح النظام السعوديّ الذي واصل تمثيل دوره السخيف كوسيط لتجنب السخط الأمريكي، متناسياً كُـلّ ما قام به من جرائم أودت بحياة مئات الآلاف من اليمنيين الأبرياء.
يبدو أن دول العدوان عاجزة عن رفض التوجيهات الأمريكية، وقد تغافلت عما حدث سابقًا جراء الضربات اليمنية المباشرة والتي أضرت بمصالحها، واستمرت أنظمة العمالة الخليجية باستنزاف ونهب الثروات اليمنية سواءً في محافظة مأرب أَو المحافظات الجنوبية سعياً لتعويض بعضًا مما قد نال حقولهم النفطية ومنشآتهم الحيوية، وهذا ما لم تقبله القيادة اليمنية والتي أعدت العدة الكافية للعودة إلى ساحة المواجهة وطرد المحتلّين وتحرير الأرض من دنس الغزاة في حال عادت هذه الأنظمة إلى غدرها وميولها الإجرامية، وقد أوضح ذلك السيد القائد: عبدالملك بدر الدين الحوثي، في خطابه الأخير بمناسبة ذكرى استشهاد الإمام زيد -عليه السلام- عندما تحدث بأننا قد فتحنا مجالًا كافيًا للمفاوضات لكن دون فائدة، محذراً تلك الدول من مواصلة غطرستها ومواصلة حصارها ومنع صرف المرتبات لموظفي اليمن كافة، وقد كانت هذه النقطة لبداية جديدة حدّدها القائد، نحو سلام حقيقي مشرف، أَو بداية النهاية لزوال الاحتلال عن اليمن، وزوال أنظمة العمالة والخيانة من المنطقة برمتها.
لقد كثرت التحليلات الاستراتيجية عن ماهية الأهداف الجديدة للرد اليمني بعد الهدنة الأخيرة، إلا أن الواقع لا يزال يفرض وبقوة أهداف الثورة السبتمبرية لـ21 سبتمبر 2014م، والتي حتمت زوال الاحتلال والوصاية والفساد جميعاً في آنٍ واحد، فهذه المرحلة والتي قد بيّن فيها السيد القائد عن تعديلات وتغييرات جذرية تصب في مصلحة الشعب اليمني، وهذه التغييرات التي ستشمل جميع الملفات تعتبر من ضمن الخطوات نحو تحقيق أهداف الشعب والثورة، وبما سيدفع طرف العدوان للبحث مستقبلاً عمن يتفاوض معه، ولكن بعد فوات الأوان.
إن التحَرُّكاتِ الأمريكية المشبوهة في البحر الأحمر تعد مواصلةً للعدوان، واختراقًا لبنود الهدنة، والتي لها دلالات خطيرة على أن النوايا الشيطانية الأمريكية ما تزال كما هي في محاولةٍ لفرض الاحتلال على الشعب اليمني كواقع لا مناص عنه، وكشفت أمريكا الستار عن نفسها خَاصَّة بتلك التصريحات التي عبرت فيها عن رفضها الموافقة على صرف المرتبات بشكل قاطع، والمماطلة في تحقيق شروط صنعاء المحقة والمعقولة، لكن كُـلّ تلك التحَرّكات -كما أكّـد اليمنيون- مرصودة من قبل الجيش اليمني، وقد نالها ردع بسيط بالفعل لعل الأعداء يكفون أيديهم عن العبث والاستهتار قبل أن يفوت الأوان.
أخيراً: حتى وإن تقدمت أمريكا بشكل مباشر إلى واجهة العدوان، وحتى لو استمرت حكومة الفنادق في تجاهل موقف الشعب اليمني الرافض للاحتلال والامتهان بعقيدته وكرامته كما حدث من موقف مخزٍ تجاه السويد التي أُحرق القرآن الكريم فيها وقامت حكومة المرتزِقة باستقبال السفير السويدي في عدن دون اكتراث بمواقف الشعب، إلا أن كُـلّ هذه المستجدات لن تغير شيئاً في الواقع، ولن يختلف توجّـه البوصلة عما كانت عليه في بدايات الردع والمواجهة، فكل التحَرّكات الأمريكية مكشوفة سواءً في الداخل أَو الخارج، ولن يتغير موقفنا منها، فما أحياه اليمنيون مؤخّراً كانت أهداف ومبادئ وقيم ثورة الإمام زيد عليه السلام، فلن يدعنا كتاب الله أن نسكت.. وإن غدًا لناظره قريب.