جاءت عملية «طوفان الأقصى» في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، ضمن سلسله من العمليات خاضتها المقاومة الفلسطينية بكل فصائلها في مواجهة الاحتلال الصهيوني رداً على جرائم الاحتلال بحق الأرض والإنسان والطفولة في فلسطين، فخلقت هذه العمليات نوعاً معيناً من التوازن الرادع لصلف العدو الصهيوني، وذلك لتغيير وتطور أساليب المواجهة. ولعلنا نذكر انتفاضة الحجارة وما تلاها من عمليات فردية في نهاية القرن الماضي، ثم تطورت خلال العشرين سنة الماضية لتصل إلى عملية «طوفان الأقصى»، حيث وقد استفادت المقاومة الفلسطينية من تجارب وتقنيات المقاومة في لبنان.
ومما لا شك فيه أن عملية «طوفان الأقصى» ستخلق تطوراً في توازن القوى بين قوى الاحتلال وقوى المقاومة الفلسطينية، وهذا بعث الخوف في نفوس الحلفاء، وعلى رأسهم أمريكا، التي أعلنت منذ بداية العملية دعمها الكامل لقوى الاحتلال الصهيوني، ثم أعلنت عن تحركها العسكري بإرسال حاملة الطائرات «جيرالد فورد» إلى شواطئ فلسطين، متوعدة محور المقاومة في حال تدخله في المعركة، وهذا دليل واضح على ضعف قوة الاحتلال الصهيوني العسكرية في المواجهة مع المقاومة الفلسطينية التي فاجأت الجميع بالقدرات العسكرية التي تمتلكها من حيث التقنيات الحديثة والتكتيك والتخطيط والمعلومات الاستخباراتية.
هناك معادلات على الأرض تتغير قيمها وفقاً لمعطيات الواقع، فأمريكا التسعينيات من القرن الماضي غير أمريكا 2023، وكذلك العالم من حولنا.
إن ما يجري الآن في فلسطين لا يمكن فصله عما يجري في العالم، سواء في شرق أوروبا وتداعيات الحرب الروسية الأوكرانية وأثرها على أوروبا أم ما يجري في أفريقيا والمتغيرات السياسية وحركات التحرر من الاستعمار، وكذلك التحالفات الآسيوية التي زادت قوة بعد الحرب الروسية الأوكرانية، بالإضافة إلى السخط والعداء من قبل دول أمريكا الجنوبية وشعوبها.
الولايات المتحدة تعرف كل هذه المعطيات، وتعرف أن تدخلها المباشر سيؤدي إلى حرب إقليمية، وسينتج عنها القضاء على المصالح الأمريكية في المنطقة نهائياً، وقد تجر هذه الأحداث العالم إلى نشوب حرب عالمية كبرى تدمر أمريكا «الدولة العظمى»، والتي تعاني في داخلها من التصدع في العلاقات السياسية الداخلية وكذلك وجود موجة من السخط الشعبي على المثلية وقوانينها كما هو حال الشعوب في كل أصقاع المعمورة.
إن كل الظروف والمتغيرات التي تحيط بالولايات المتحدة، والتي ذكرنا بعض منها، كفيلة بإسقاطها ونظامها الاستعماري الشيطاني، ولذا من المستبعد -حسب وجهة نظري- تدخلها العسكري المباشر؛ لكنها ستسعى لدعم الاحتلال الصهيوني سياسياً واقتصادياً واستخباراتياً، وبالذات عن طريق الأنظمة العربية الموالية لها بالمقام الأول، وأيضاً الأنظمة غير العربية، وستسعى أيضا كعادتها إلى إحداث شرخ بين فصائل المقاومة الفلسطينية وشعوب محور المقاومة والشعوب العربية والإسلامية عن طريق ماكينتها الإعلامية والدينية والسياسية.
أمريكا لن تتدخل عسكرياً طالما وهي تضمن الصلح وبقاء الاحتلال الصهيوني في المنطقة، والذي يشكل رأس حربة لتحالف الشر العالمي.
* نقلا عن : لا ميديا