فكرة هذا المقال مستوحاة من موقف سمعته في مقابلة تلفزيونية مع المناضل الجنوب إفريقي الراحل نيلسون مانديلا بعد نجاح كفاح الشعب الجنوب إفريقي في إسقاط نظام الفصل العنصري "الأبارتايد" في جنوب إفريقيا، وفي مقابلته التلفزيونية التي جاءت في أول زيارة له للولايات المتحدة الأمريكية، حيث سأله المذيع مستغرباً عن رأيه الإيجابي وثنائه الدائم على عدد من الشخصيات والزعماء السياسيين الذين تصنفهم أمريكا بكونهم ديكتاتوريين أو إرهابيين أمثال ياسر عرفات والزعيم الليبي معمر القذافي والزعيم الكوبي فيدل كاسترو، ولقد كان لهؤلاء الزعماء جميعا دور في دعم المؤتمر الوطني الجنوب إفريقي الذي قاد النضال ضد نظام الفصل العنصري.
ورد مانديلا عليه أنه يخطئ كثير من المحللين السياسيين والسياسيين حين يطلبون أن ينظر الآخرين إلى أعدائهم كأعداء لهم. وأضاف أن هؤلاء الزعماء كان لهم دور في دعم نضال الشعب الجنوب إفريقي وقدموا كل أشكال الدعم خلال مرحلة كفاحه، وبالتالي لا يجوز من منطلق المسؤولية الأخلاقية أن نقابل جميلهم ذاك بنكران جميل بعد أن ظفرنا بالنصر.
هذا الدرس الأخلاقي ذكرني باللامسؤولية الأخلاقية عند كثير من القيادات الجنوبية سواءً تلك التي كانت في مركز القرار قبل الوحدة ونسجت علاقات مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ولأنها قيادات تعرف مساعدات إيران لنظامهم في الجنوب لا يتسع المجال لتذكيرهم بها، أو تلك القيادات التي انبثقت من رحم الحراك الجنوبي وصارت قيادات في المجلس الانتقالي الجنوبي ويعلمون الدعم الإيراني للقضية الجنوبية، لكنهم ما إن اندلعت حرب العدوان انقلبوا على أعقابهم.
ومنذ اندلاع حرب العدوان باتت هذه القيادات قديمها وجديدها يعضون الأيادي التي امتدت لهم، ويتماهون مع الخطاب الإعلامي لدول تحالف العدوان، ويقدمون أنفسهم باسم القضية الجنوبية شقاة وأجراء وعملاء رخاصا لدول تحالف العدوان، وشهدنا ومازلنا نشهد قبحهم منقطع النظير، وأسرفوا في عدائهم لمن قدم لهم يد العون والدعم في أحلك الظروف.
وعليه فإن السياسي الذي يدعي تبني قضية شعبوية ولا يتحلى بالمسؤولية الأخلاقية يغدو سياسياً كاذباً وانتهازياً ومآله الفشل مهما تقمص دور المناضل، لأن القضايا العادلة تتطلب مسؤولية أخلاقية بدرجة أساسية أثناء خوض غمارها وبعد الظفر بها وإلاّ فإنه يحكم عليها بالفشل المحتوم.
* نقلا عن : لا ميديا