بعد توقيع اتفاقية “كامب ديفيد” عام 1979، تشكل تكتل دول أطلقت على نفسها دول الصمود والتصدي ضمت أربع دول: سوريا واليمن الجنوبي والجزائر وليبيا، وجميعها درجت على دعم فصائل لبنانية وفلسطينية تنسجم مع توجهات هذه الدولة أو تلك الأيديولوجية أو تتقاطع معها، ولذا لم تنجح في صمودها وتصديها، ولأنها لم تكن تدعم من أجل القضية الفلسطينية، وإنما من أجل تعزيز توجهاتها الأيديولوجية، فإنها فشلت في إقامة مقاومة حقيقية بوصلتها فلسطين، ومع الوقت معظم تلك المقاومات تلاشت أو ضعفت..!
وفي عام 1982، وبعد الاجتياح الصهيوني للبنان، بدأت تتشكل مقاومة لبنانية من نوع آخر بدعم إيراني، وأخذت هذه المقاومة تنمو وتكبر، ووضعت في برنامج مهامها تحرير لبنان من الكيان الصهيوني الغاصب، ووضعت قضية تحرير فلسطين في جدول أعمالها الاستراتيجية، أي أن بوصلتها القضية الفلسطينية، ولم تكتف إيران بدعم حزب الله، بل أخذت تتوسع في دعم المقاومة من كل ألوان الطيف الديني والسياسي وانفتحت على تيارات وفصائل عديدة وتحت عنوان سياسي عريض “تحرير فلسطين من الكيان الصهيوني”، فانفتحت على تيارات عديدة وضمت الإسلامي السني والقومي واليساري ولم يقتصر الأمر على دعم المقاومة المسلحة، بل سعت وراء الدعم السياسي من أجل تكوين حاضنة شعبية للمقاومة، فدعمت تيارا مسيحيا أيضاً.
ولهذا السبب نجحت إيران في ما عجزت عنه الأنظمة العربية، وباتت المقاومة اليوم تمتلك درعاً وسيفا فرائص الكيان ترتعد من قدراته المتنامية، وتشكل تهديداً وجودياً للكيان، وما عجزت عن تحقيقه أنظمة بإمكانية دول بات بالإمكان تحقيقه عبر مقاومة بدعم دولة بحجم إيران على الرغم من حرب الثمان السنوات والحصار الاقتصادي المفروض عليها منذ أربعين عاماً.
وخلال فترة البناء هذه دفعت إيران وشعبها كلفة باهظة اقتصادية، مع ذلك ترتفع أصوات بعض المرضى والمختلين عقلياً تشكك بمصداقية إيران ويذهب البعض لأن يتهمها بصورة غير معقولة بأنها ترتبط بعلاقات تآمرية خفية مع أمريكا والكيان الصهيوني، مع أن المنطق يقول لا يمكن أن تتحمل دولة وشعب الطريق الصعب والشاق ترفاً، بل من يمتلك مشروعا سياسيا حقيقيا يبنيه لبنة لبنة.
لقد كان بإمكان إيران أن تسلك الطريق السهل وتحظى بقبول دوائر القرار العالمية، وربما تفضيلها على جميع أنظمة المنطقة ووكيلها المؤتمن، لكنها اختارت الطريق الشاق الآمن الذي يحقق نهوض العالم الإسلامي واستقلال قراره وينسجم مع عقيدتها وشعاراتها الثورية..!
* نقلا عن : لا ميديا