|
طوفان اليمن.. من الغزو الثقافي إلى التحول الجيوسياسي المرتقب.!
بقلم/ د.سامي عطا
نشر منذ: 11 شهراً و 17 يوماً الأحد 17 ديسمبر-كانون الأول 2023 08:09 م
أمران لفتا انتباهي وأنا أقرأ كتاب انتقام الجغرافيا الذي نشره كاتبه روبرت كابلان بالإنجليزية عام 2012م ، ونشر مترجماً للعربية ضمن سلسلة عالم المعرفة في عدد فبراير 2015م.
الأمر الأول، إن كابلان يعقد فيه مقارنة بين رجال الدين الشيعة « الملالي» ورجال الدين السنة، يؤكد على تفوق الأولين وانفتاحهم على الفكر الإنساني بمختلف مشاربه وأنهم يقرأون الفلسفة بمختلف مدارسها وليسوا محصورين بالفكر الديني « لا شك في أن رجال الدين الشيعة هم أكثر انفتاحا على مجموع النصوص غير الإسلامية من علماء السنة [العرب؛ فآيات الله هم من كبار القراء بما في ذلك قراءتهم لفكر ماركس وفيورباخ Feuerbach، ففي نفوسهم شيء من الرهبان اليسوعيين أو الدومينيكان، وبالتالي فهم يجمعون بين التوفيق الواضح بين المعتقدات الفلسفية وبين التقيد الصارم بالفتاوى الدينية… تتسم الثقافة المزدوجة لرجال الدين الشيعة بكونها لافتة للنظر فهي متمسكة بالتقاليد للغاية … ومع ذلك منفتحة للغاية على العالم الحديث»،( انتقام الجغرافيا ص 327).
بينما رجال الدين السنة عكسهم منغلقين ، ويسيطر عليهم هاجس الرفض لكل وافد تحت ذريعة حماية أنفسهم من أي غزو ثقافي أو غزو فكري.
وهذا لا يعني أن رجال الدين الشيعة لا يعيرون مثل هذا الهاجس أهمية ، وإنما ينظرون للمسألة من منظور مختلف يقوم على النقد ، وتوفير الحماية من خلال معرفة الآخر الغربي والدخول معه في سجال ونقد، أو بعبارة أخرى من خلال تفعيل حركة استغراب معاكسة لحركة الاستشراق التي قام بها الغرب ضد الشرق، وعلى قاعدة إذا أردت أن تهزم خصومك وتفشل مشاريعهم ، فعليك فهمهم ومعرفتهم من داخل نسقهم المعرفي ومعرفة أساليبهم وطرائق تفكيرهم.
وفي أوج ما عُرف بالصحوة الإسلامية انتشر تحذير وهابي من الغزو الثقافي والغزو الفكري الذي يشبه إلى حد بعيد التحذير الراهن من الحرب الناعمة.
وكلا التحذيران لم يقودا إلى الانغلاق والتحوصل حول الذات ورفض معرفة الآخر، وإنما يقودا إلى الكسل الذهني وتوفير ذريعة إعفاء عقلي بسبب فقدان الكفاءة والمَلكة.
وهذا التحوصل حول الذات ثقب أسود دمّر الفكر الديني السني، وبدلا من الإصلاح الديني ذهبت السلطة السياسية إلى إزاحة الفكر الديني المأزوم والقبول بالقيم الغربية، وبذلك يكون الغرب حقق غزوه الثقافي والفكري، الأمر الذي يحول دون قيام دولة تستمد مقوماتها من خصائصها الثقافية المحلية وبالتالي تآكلها على المدى البعيد.
والأمر الثاني، حديثه عن اليمن من واقع زيارته لها وبعد وصفه الأثنولوجي وجغرافية البلد، خلص إلى أن اليمن سيلعب دوراً كبيراً في إحداث تغييرات داخل المملكة، حيث خلص كابلان قائلاً « خلاصة القول أنه في شبه الجزيرة العربية، يبقى جنوب غرب البلاد ذو الكثافة السكانية العالية هو المنطقة التي تكون المملكة العربية السعودية فيها غير حصينة بالفعل، فمن هنا تتدفق الأسلحة، والمتفجرات والمخدرات، وأوراق القات عبر الحدود اليمنية. إن مستقبل اليمن المزدحم بسكانه، وذي الطبيعة القبلية سيمارس دوراً كبيراً في تحديد مستقبل المملكة العربية السعودية»، ( انتقام الجغرافيا ص 303 ) ، لكنه يعزوه للجغرافيا وحسب.
ويبدو بعد ما مر به اليمن من عدوان بربري همجي قاس وما نشهده اليوم من دعم شعبي بفعل قرار قيادته الثورية والسياسية الدخول إلى معركة طوفان الأقصى نُصرةً لأهلنا في غزة، أن دور اليمن في التغيير لن يكون مقتصراً على المملكة وحسب ، بل سيلعب دوراً في تحولات جيوسياسية عالمية يرافقها هزات ارتدادية إقليمية ومحلية..!!
*نقلا عن :الثورة نت |
|
|