اختلف المثقفون والمؤرخون طويلاً في حقيقة تسمية الخليج، أهو فارسي أم عربي، وحول التاريخ الحديث للمنطقة، التي يبقى حكامها مثار جدل منذ نشأة إماراتهم وحتى اليوم.
قديماً أطلق العرب على الخليج اسم «بحر فارس»، وظلت هذه التسمية قائمة حتى اليوم في أروقة السياسة العالمية. إلا أن التيار العروبي المتنامي منذ أواخر القرن التاسع عشر، وبدعمٍ غربي، اعتمد تسمية «العربي» بدلاً من لفظة «فارسي»، وقد حظي الأمر بدعمٍ ودعاية واسعة، لاسيما بعد قيام الثورة الإسلامية في إيران، في محاولة لإضفاء بُعد قومي للصراع مع طهران، عقب انقلاب الأخيرة على المشاريع الغربية كافة، وانتهاج سياسة مناهضة لـ»إسرائيل»، ربيبة القوى الاستعمارية الكبرى.
إلا أنّ رأياً آخر يطلق تسمية ثالثة على الخليج تتواءم مع الواقع، وحقيقة الأنظمة السياسية القائمة في المنطقة، إذ يقول الكاتب والخبير المصري بالتاريخ إيهاب عمر: «إن التسمية الفعلية هي «الخليج البريطاني»، طالما وثروات المنطقة ومواقفها السياسية لم تخرج عن إطار الحماية البريطانية المفروضة على حكامها منذ منتصف القرن الثامن عشر».
تنبهت بريطانيا منذ أمد بعيد إلى أهمية الساحل الشرقي للجزيرة العربية؛ فالبريطانيون يمتلكون خبرة تاريخية، ويتحركون بدوافع دينية لحكم العالم، معتمدين على خبرتهم في الجغرافيا والتاريخ وعلم الاجتماع، وقد ساعدهم الأخير في إدارة الصراعات وافتعالها بين الأهالي، بهدف تطويعها للحكم.
وقد تمخضت تلك السياسة الاستعمارية عن توقيع اتفاقية 1820 بين بريطانيا وحكام الخليج، والمعروفة باسم «المعاهدة العامة للسلام»، والتي تنص على أن يتوقف شيوخ الساحل عن القيام بأي أنشطة مسلحة، مقابل الحصول على الحماية البريطانية ورواتب وامتيازات شهرية مغرية تضمن لهم العيش في رفاهية مطلقة.
وقد تم تدعيم هذه الاتفاقية بمعاهدات أخرى فرعية تضمن ولاء حكام الخليج للتاج البريطاني، كمعاهدة «دارين»، بين بني سعود وبريطانيا. انتهت المباحثات ووقعت المعاهدة في 26 كانون الأول/ ديسمبر 1915 بين أمير نجد: عبدالعزيز بن سعود، والمعتمد السياسي البريطاني في الخليج: السير بيرسي كوكس.
وبموجبها وعدت بريطانيا بتتويج ابن سعود ملكاً على سائر الجزيرة العربية، بما في ذلك الحجاز وبلاد الحرمين، مقابل أن يتنازل خطياً عن فلسطين لليهود، وأن يضمن مصالح بريطانيا الاقتصادية في المنطقة.
وينص البند السادس في معاهدة دارين على أن يتعهد ابن سعود (كما تعهد آباؤه من قبل) بأن يتحاشى الاعتداء على أقطار الكويت والبحرين ومشايخ قطر وسواحل عُمان، التي هي تحت حماية الحكومة البريطانية ولها صلات عهدية مع الحكومة المذكورة، وألا يتدخل في شؤونها وتخوم الأقطار الخاصة بهم.
هذا يؤكد أن أسلاف ابن سعود كانوا على العهد نفسه مع بريطانيا منذ تأسيس دولتهم الأولى سنة 1744، برعاية المستشرق البريطاني، مستر همفر، المعروف بمذكراته الشهيرة.
وقد استخدم البريطانيون ابن سعود لضرب خصومهم في المنطقة، كبني رشيد وبني خالد وشريف مكة، الذي تخلوا عنه بعد رفضه التخلي عن فلسطين لليهود.
ورغم الاستقلال الظاهري الذي تدعيه اليوم السعودية وسائر إمارات الخليج، إلا أن الواقع يشهد بخلاف ذلك؛ فثروات الخليج لا تزال تحت تصرف الغرب، بينما المواقف السياسية تؤكد أنهم على العهد فيما يخص القضية الفلسطينية، التي تشكل محطة فرز بين العملاء والأحرار عربياً وعالمياً.
* نقلا عن : لا ميديا