أكّدت مصادر عسكرية في صنعاء، لـ«الأخبار»، أن قرار الأخيرة تشديد الحصار على الموانئ الإسرائيلية جاء بعد تحايل الولايات المتحدة وبريطانيا على الخطوة اليمنية المتمثّلة في حظر مرور السفن الإسرائيلية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، واستخدام سفن تابعة للدولتين لنقل شحنات من موانئ الكيان وإليه، كون القرار في مرحلته الأولى كان محدّداً بمنع مرور سفن إسرائيل أو العاملة لمصلحة شركات تابعة لها. وأثار القرار الأخير ردود فعل إسرائيلية هستيرية، بينما قوبل بتأييد الشارعَين اليمني والعربي، واعتبره مراقبون خطوة تصعيدية جريئة من صنعاء، ورداً عملياً فاعلاً على رفض تل أبيب السماح بإدخال المساعدات المنقذة للحياة إلى عشرات آلاف الأسر النازحة التي تتضوّر جوعاً في قطاع غزة، وفقاً لتأكيدات الأمم المتحدة التي عجزت هي الأخرى عن إنقاذ الغزيين من الجوع.وكان بيان قوات صنعاء الذي ألقاه، أول من أمس، الناطق باسمها، يحيى سريع، قد أكد أن قرارها الجديد سيستمر حتى يتم إدخال كل ما يحتاج إليه أهالي القطاع من غذاء ودواء ووسائل إيواء ووقود، ملوّحاً باتخاذ المزيد من الإجراءات والذهاب إلى خيارات تصعيدية أشدّ خلال الأيام المقبلة، إذا استمر الحصار والعدوان على الشعب الفلسطيني في غزة. وعلّق عضو «المجلس السياسي الأعلى» الحاكم في صنعاء، محمد علي الحوثي، على ذلك، بأن بلاده استخدمت "الفيتو" في مواجهة استخدام أميركا حق النقض في مجلس الأمن يوم الجمعة، وتعمّدها إفشال صدور قرار يدعو إسرائيل إلى وقف إطلاق النار ويسمح بإدخال المساعدات إلى القطاع، واصفاً الخطوة الأميركية بـ«الإرهاب والمشاركة الفعلية في قتل الفلسطينيين». وحذّر، في منشور على منصة «إكس»، كل السفن الأجنبية الموجودة في البحر الأحمر وخليج عدن من مغبّة مرافقة أيّ سفن إسرائيلية، مؤكداً أن قوات بلاده ستهاجم تلك السفن باعتبارها خطراً يواجه أمن البلاد.
وفي اختبار أولي لقرار صنعاء، حرّكت باريس الفرقاطة «لانغدوك» المتعدّدة المهام في البحر الأحمر، وهو ما قوبل من قبل قوات الأولى بالرد فجر أمس. وعلى رغم زعم فرنسا أن قواتها البحرية أسقطت طائرتين مُسيّرتين كانتا متجهتين نحوها مباشرة، قادمتين من الساحل اليمني، إلا أن القوات اليمنية تستخدم في الغالب الطيران المُسيّر، كرسالة تنبيه وتحذير لكل القوات الأجنبية التي تحاول الاستعراض أو الاستفزاز في البحر الأحمر وباب المندب، فيما تلقى تلك الرسائل استجابة فورية.
وفي تطبيق فوري للقرار الجديد، أجبرت قوات صنعاء، مساء أمس، سفينة شحن كانت متّجهة نحو إسرائيل على التراجع. وقالت مصادر ملاحية إن القوات البحرية وجّهت رسالة تحذير إلى سفينة كانت تحمل شحنة تجارية إلى إسرائيل في البحر الأحمر من أجل تغيير مسارها، وبعد عدم استجابتها للتحذير، تعاملت معها قوات صنعاء بالقوة، وأجبرتها على التراجع من حيث أتت، من دون أن تتعرّض لأضرار.
ناشطون مقرّبون من «أنصار الله» لمّحوا إلى أن دولاً عربية بدأت بتغيير مواقفها تجاه عمليات صنعاء ضد إسرائيل
وتزامن إعلان المعادلة الجديدة، مع حديث وسائل إعلام مقرّبة من حركة «أنصار الله»، عن وصول وفد مصري إلى صنعاء في مهمة سرية للقاء قياداتها، وعن أن «هناك ترتيبات بين القاهرة وصنعاء بشأن التنسيق في البحر الأحمر لمواجهة تصعيد إسرائيل»، وأن «الزيارة جاءت بعد إحباط قوات صنعاء مخططاً إسرائيلياً لشق قناة مائية تحمل اسم بن غوريون لسحب البساط من تحت قناة السويس». وكان ناشطون مقرّبون من «أنصار الله» قد لمّحوا إلى أن دولاً عربية بدأت بتغيير مواقفها تجاه عمليات صنعاء ضد الكيان الإسرائيلي، بعد تجاهل الولايات المتحدة مطالب وزراء الخارجية العرب بوقف الحرب على غزة وإدخال المساعدات، وإحباطها قراراً دولياً في مجلس الأمن بهذا الخصوص يوم الجمعة.
من جهتها، أفردت وسائل إعلام عبرية، منها «القناة الـ 13»، مساحة واسعة لقرار صنعاء، ووصفته بـ«الخطير»، كونه يهدّد سلاسل إمداد الغذاء والاستقرار التمويني في أسواق إسرائيل، واعتبرته بمثابة حرب اقتصادية كاملة ستضاعف الأزمة الاقتصادية التي تعانيها حكومة بنيامين نتنياهو. ووصف مستشار الأمن القومي في كيان الاحتلال، تساحي هنغبي، القرار، بـ«الحصار البحري الكارثي على إسرائيل». لكن وفقاً لموقع «ديفينس نيوز» المهتمّ بالأخبار والتحليلات العسكرية، فإن أميركا تفضّل إسناد عملياتها في التصدي للهجمات البحرية في البحر الأحمر إلى «قوة المهام المشتركة 153»، التي تركّز على الأمن البحري الدولي، وجهود بناء القدرات في البحر الأحمر وباب المندب وخليج عدن. وأشار الموقع إلى أن القوات البحرية الأميركية ستقود فرقة العمل، وسيتسلّمها نائب الأدميرال في البحرية الأميركية، براد كوبر، قائد الأسطول الخامس الأميركي والقيادة المركزية للقوات البحرية. وقال كوبر، في وقت سابق، إن «قوة المهام المشتركة 153» ستعمل من قناة السويس إلى مضيق باب المندب، ثم إلى الحدود اليمنية - العمانية.
في هذا الوقت، وفي إطار الاستجابة لمحاولات واشنطن وأبو ظبي حشد حلفائهما اليمنيين ضد "أنصار الله"، أعلن «المجلس الانتقالي الجنوبي» التابع للإمارات، مرة جديدة، استعداد ميليشياته لحماية الملاحة الإسرائيلية في البحر الأحمر ومضيق باب المندب، لكن البيان لاقى صدى سيّئاً في المحافظات الخارجة عن سيطرة صنعاء، ودفع بعلماء محافظة حضرموت وشرائح واسعة في تلك المحافظات إلى تأييد قرار "أنصار الله". وجاء بيان «الانتقالي» ليلقي مزيداً من الضوء على الخطة الأميركية الرامية إلى إشعال مواجهة عسكرية جديدة داخل اليمن، تحت لافتة حماية الملاحة الدولية، وهو ما استعدّت له صنعاء، التي تراقب خصوصاً تحركات ميليشيات طارق صالح، المتمركزة بالقرب من مضيق باب المندب.
* نقلا عن :الأخبار اللبنانية