ملخص:
طرحت الولايات المتحدة مع الدول الغربية والكيان الصهيوني والإمارات مشروع بناء ميناء بحري عائم أو رصيف بحري، لإدخال المساعدات عبره إلى قطاع غزة. خط سير المساعدات المُفترض من جزيرة في قبرص إلى غزة، بعد قيام «إسرائيل» بالتفتيش، في قبرص ذاتها أو ميناء أسدود، وستتولى بناء الميناء القوات البحرية الأمريكية.
المشروع ممكن نظرياً لحل الأزمة الإنسانية؛ إلا أنه واقعياً وسياسياً لا يحل مشكلة الحصار «الإسرائيلي»، بل يهدد بتثبيت واقع الحصار، واحتلال بحر غزة وفصل القطاع عن مصر والضفة الغربية. وفتح معبر رفح هو الحل الأمثل والأيسر.
المشروع في الأصل فكرة «إسرائيلية» قديمة أجريت عليها بعض التعديلات، فهو من الناحية الاستراتيجية مشروع «إسرائيلي»، إلا أنه من الناحية التكتيكية مشروع أمريكي؛ إذ يسعى بايدن إلى تحسين صورته التي شوهتها الحرب، في إطار الضغط الذي يتعرض له على مستوى الشارع الأمريكي والحزب الديمقراطي وعلى المستوى الخارجي، وهو على مشارف الانتخابات الرئاسية.
يرتبط المشروع بمشاريع استعمارية صهيونية وأمريكية، فمخاطره أكبر من منافعه المحدودة المشكوك فيها، فهو يرتبط بمشروع «قناة بن جوريون» البديلة عن قناة السويس، ويتطابق مع المصالح الأوروبية - «الإسرائيلية» في نهب غاز بحر غزة وتصديره إلى أوروبا، ويتقاطع مع الاستراتيجيات الأمريكية في تواجد عسكري على البحر الأبيض المتوسط. كما أنه يمهد لاجتياح رفح عسكرياً، ويمكن أن يمثل بوابة بحرية لتهجير الفلسطينيين بعد فشل مساعي تهجيرهم عن طريق سيناء المصرية.
يتسق المشروع مع التصورات الأمريكية - «الإسرائيلية» عن اليوم التالي لوقف الحرب، بما في ذلك وجود بديل عن حماس في إدارة غزة والسيطرة الأمنية، وإلى جانب السلطة الفلسطينية فهناك خيار العشائر الفلسطينية في غزة، ومن المحتمل أن توكل لها مهمة حماية ومرافقة شحنات المساعدات، فمن غير المتوقع أن تسلم هذه المهمة لشرطة حماس.
ميناء غزة التاريخي
لطالما كانت غزة إحدى الحواضر التجارية القديمة، وكان ميناء غزة أحد المراكز التجارية في العلاقات بين الدولة الحميرية اليمنية والدولة الإغريقية والرومانية، ووجدت في غزة وسواحل فلسطين عموماً نقوش بالمسند اليمني على مشاهد قبور التجار اليمنيين الذين أقاموا هناك.
مشروع ميناء غزة البحري في العصر الحديث هو ميناء بحري ذُكر إنشاؤه في «اتفاقية أوسلو». حددت مذكرة شرم الشيخ في العام 1999، أن أعمال البناء يمكن أن تبدأ في 1 تشرين الأول/ أكتوبر 1999. بدأ العمل بالمشروع في 18 تموز/ يوليو 2000؛ لكنه توقف بسبب إعاقة توريد مواد البناء والتدمير من قبل القوات «الإسرائيلية» في أيلول/ سبتمبر وتشرين الأول/ أكتوبر 2000 عندما اندلعت الانتفاضة الثانية.
في 17 و18 أيلول/ سبتمبر 2000، دمرت الدبابات «الإسرائيلية» موقع المشروع. وفي تشرين الأول/ أكتوبر، قصفت «إسرائيل» موقع البناء. بعد ذلك، توقفت الدول المانحة عن تمويل المشروع وتوقف العمل في الميناء.
أعادت اتفاقية الحركة والعبور في العام 2005، عقب انسحاب «إسرائيل» من غزة، إعلان بدء الأعمال، ووعدت «إسرائيل» بطمأنة المانحين بأنها لن تتدخل في تشغيل الميناء. اعتباراً من العام 2014، لم يتم استئناف البناء.
حالياً، لدى غزة ميناء صغير بدائي، وهو الميناء الرئيسي لقوارب الصيد الفلسطينية والشرطة البحرية الفلسطينية. يخضع ميناء غزة للحصار «الإسرائيلي» منذ العام 2007، عندما فرضت «إسرائيل» حصاراً صارماً على غزة.
«ميناء غزة الأمريكي» الحديث
في خطاب الاتحاد أمام الكونغرس، الأسبوع الماضي، أعلن الرئيس الأمريكي، جو بايدن، أنه أصدر تعليماته للجيش بإنشاء «ميناء مؤقت» على ساحل غزة يمكنه استقبال شحنات من الغذاء والماء والدواء التي يحتاجها القطاع المحاصر بشدة.
كما أعلن وزير الخارجية البريطاني، ديفيد كاميرون، أن بلاده ستتعاون مع الولايات المتحدة لفتح ممر بحري لتوصيل المساعدات مباشرة إلى غزة.
ونقلت وسائل الإعلام الصهيونية عن مسؤول «إسرائيلي» كبير -لم تكشف اسمه- قوله إن «تل أبيب» تؤيد إقامة رصيف عائم مؤقت لإدخال المساعدات الإنسانية الإغاثية إلى سكان قطاع غزة كالذي تحدث عنه بايدن. وبحسب هذا المسؤول، فقد تم بحث هذه المبادرة بين «إسرائيل» والولايات المتحدة في الماضي وتم الاتفاق على التنسيق بينهما لتنفيذها.
المفوضية الأوروبية وألمانيا واليونان وإيطاليا وهولندا وجمهورية قبرص والإمارات أعلنت عزمها فتح ممر بحري لإيصال المساعدات الإضافية التي تشتد الحاجة إليها عن طريق البحر، مؤيدة المشروع الأمريكي - «الإسرائيلي» - البريطاني.
طبيعة المشروع
الميناء البحري لغزة هو في الأصل مشروع «إسرائيلي» منذ أكثر من عقد، اقترحه وزير الخارجية الصهيوني الأسبق يسرائيل كاتس، تستطيع «تل أبيب» من خلاله إحكام السيطرة المطلقة على قطاع غزة. وفي التصور الأصلي طرحت فكرة بناء جزيرة صناعية تقوم بدور ميناء ومطار لغزة تخضع لإدارة دولية وترتبط بغزة عن طريق رصيف بحري.
كشفت صحيفة «معاريف» الصهيونية أن مسؤولين «إسرائيليين» كباراً طرحوا فكرة إقامة ميناء في قطاع غزة، ورفضها ضباط كبار في القوات «الإسرائيلية»، أي قبل شهرين من طرح الرئيس الأمريكي جو بايدن لها، بدعوى أنه سيكون من الصعب صيانته والحفاظ على السيطرة «الإسرائيلية» الكاملة عليه ومراقبة جميع البضائع التي تمر عبره.
واقعياً لا حاجة للميناء؛ إذ إن القصد المعلن منه المساعدات الغذائية، فالمساعدات في مصر قرب معبر رفح، وفتح معبر رفح أيسر وممكن وفوري دون كلفة مالية، عوضاً عن بناء ميناء عائم بتكلفة 35 مليون دولار في غضون 60 يوماً.
الميناء الأمريكي المفترض لا يحل مشكلة وصول الغذاء للجياع المحاصرين في غزة طالما لم يتم وقف إطلاق النار، وضمان عدم تعرض قوافل المساعدات لاعتداءات الاحتلال الصهيوني، وكذلك استهداف المدنيين الذين سيتلقون هذه المعونات. كما أن إنشاء هذا الرصيف يستغرق وقتاً طويلاً ولا يحتمل الجائعون مزيدا من الانتظار ريثما ينجز.
مقترح الرصيف البحري الأمريكي قد يكون له بعض الفوائد اللوجستية؛ لكنه لا يرقى لحل مشكلة الحصار «الإسرائيلي» من جذورها. هذا الرصيف قد يسهم في تسريع عملية نقل المساعدات وتفريغها؛ لكن في النهاية ستظل «إسرائيل» تتحكم بكمية ونوعية ما يدخل إلى غزة، عبر سيطرتها الكاملة على المياه الإقليمية والمنافذ البحرية.
هذه الآلية البديلة قد تكرس واقع الحصار وتطيل أمده، بدلاً من الضغط الحقيقي لإنهائه وفتح كافة المعابر.
الجيش الأمريكي يملك وحدة هندسية كاملة اسمها «وحدة نحل البحار»، مهمتها إنشاء مثل هذه الأرصفة للعمليات العسكرية الأمريكية.
سفينة الجيش الأمريكي «الجنرال فرانك إس بيسون» غادرت قاعدة «لانجلي- R36;R36;R36;R36;يوستيس» المشتركة في فرجينيا «بعد أقل من 36 ساعة من إعلان الرئيس بايدن أن الولايات المتحدة ستقدم مساعدات إنسانية لغزة عن طريق البحر»، ومن المحتمل أن تتولى المشروع.R36;R36;R36;R36;R36;R36;R36;R36;R36;R36;R36;R36;
غير واضح على نحو دقيق آلية عمل هذا الميناء العائم أو اللسان أو الرصيف البحري. وحسب المعلومات المتداولة إعلامياً، فمن المقرر -وفقاً للمخطّط- أن يتم تجميع المساعدات في ميناء لارنكا القبرصي، على أن يتم شحنها إلى ميناء «أسدود الإسرائيلي»، لتجري عملية تفتيشها وتدقيقها من قبل سلطات الاحتلال «الإسرائيلي» قبل أن يتم توجيهها بمرافقة البحرية «الإسرائيلية» إلى الميناء العائم المزمع إنشاؤه.
تصورات أخرى استبعدت ميناء «أسدود الإسرائيلي»، وافترضت أن خط السير سيكون من قبرص إلى غزة مباشرة.
في كل الأحوال، سواء تم التفتيش في قبرص أو أسدود، فإن تفتيش الشحنات والتأكد من نوعية الحمولات وكمياتها، سيكون حصرياً بيد الجانب «الإسرائيلي»، الذي سيفتش كل ذرة طحين تدخل القطاع.
ردود الأفعال
حتى الآن لم تعلق حركة حماس على «الميناء الأمريكي» و«الممر القبرصي» لإدخال المساعدات، لحساسية الموضوع المطروح كمشروع إنساني في وقت يعيش فيه سكان غزة المجاعة ويتلهفون لأدنى المساعدات، أيا كان طريق وصولها، وتتحمل حماس أمام المجتمع مسؤولية ضمان معيشة السكان، باعتبارها الحكومة القائمة في القطاع وليست مجرد حركة مقاومة.
في الضفة الغربية، برزت أصوات من السلطة الفلسطينية تخشى استغلال ميناء غزة لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، إذ قالت الخارجية الفلسطينية إن تركيز «إسرائيل» على إعطاء الموافقات على فتح ممرات بحرية ومنع مرور المساعدات برياً عن طريق المعابر، هدفه تطبيق خطة حكومة الاحتلال «الإسرائيلي» بتكريس الاحتلال والفصل بين الضفة الغربية وقطاع غزة وتهجير أنباء الشعب الفلسطيني.
وقال الرئيس القبرصي، نيكوس خريستودوليدس، إن ممر قبرص البحري يهدف لتسريع نقل المساعدات إلى قطاع غزة وتخفيف الضغط عن الطرق البرية، وأن بلاده تهدف لجعل الممر البحري مستداما ومساهما رئيسيا في رفع المعاناة عن المدنيين في غزة.
هل له علاقة بـ«قناة بن جوريون»؟
المقترح الأمريكي قد يكون خطوة في طريق مشروع «قناة بن غوريون»، فرغم أن القناة لا تمر من قطاع غزة حسب المخطط الأصلي، إلا أن من الضروري لنجاحها السيطرة على مناطق غزة وسواحلها المحاذية للقناة. غير أن تعديلاً لمشروع يمر عبر غزة أمر ممكن نظريا وموفر اقتصاديا، فتربة غزة أكثر ملاءمة لحفر القناة من المناطق الصخرية التي يفترض أن تمر منها حسب المخطط الأصلي.
تحتاج «إسرائيل»، لكي ينجح مخططها في بناء «قناة بن غوريون» وتقليص مسافة عبور السفن وخفض كلفة بناء القناة، إلى استخدام الأراضي الفلسطينية وتحديداً غزة للربط بين «إيلات» والبحر المتوسط من دون الحاجة للدوران حول غزة لإنشاء القناة.
مشروع «قناة بن غوريون» أو «القناة الإسرائيلية» هو مشروع مقترح لقناة مائية في كيان الاحتلال يهدف إلى الربط بين خليج العقبة والبحر الأبيض المتوسط، وتُقدم القناة على أنها منافس لقناة السويس المصرية.
يُقترح أن تمتد القناة من الجنوب إلى الشمال ابتداءً من خليج العقبة مروراً بالمدينة الحدودية «إيلات» ثم إلى وادي عربة ثم تنحرف غرباً قبل بلوغ البحر الميت وحوضه، حيث تتجه القناة إلى وادٍ في سلسلة جبال النقب ثم تنحرف شمالاً مرة أخرى متجهةً إلى البحر المتوسط ومتفاديةً قطاع غزة.
النتائج التداعيات
المشروع يثبت الحصار الصهيوني كحقيقة وواقع سياسي لا تراجع عنه، وعزل قطاع غزة عن مصر وعن الضفة الغربية، واستكمال الاحتلال من جهة البحر. فهو تثبيت للاحتلال «الإسرائيلي» للبحر، بعد أن كان محاصراً لقطاع غزة من البحر لا محتلاً له.
قد يكون المشروع مقدمة لإقدام الكيان الصهيوني على اجتياح مدينة رفح؛ فأمريكا أعطت الكيان الضوء الأخضر، لكنها تحفظت خوفاً من البعد الإنساني. وإذا كان هذا اللسان البحري سيسهل مسألة النزوح فستكون العملية العسكرية وشيكة.
هناك خشية أن يكون الهدف من إقامة الميناء المؤقت هو تنفيذ مخطط التهجير الذي فشل برياً من خلال تصدي مصر والأردن له.
هناك مخاوف من إنشاء سلطات أمنية جديدة في غزة، وطرح بديل عن شرطة حماس، وهناك اتصالات بين كيان الاحتلال وبعض العشائر في غزة، لتقوم بدور السيطرة الأمنية بدلاً عن حماس، فهي مطروحة في مشروع اليوم الثاني لوقف الحرب، بالتالي قد تكون هي الطرف الذي يتولى حماية دخول المساعدات وحراستها داخل غزة.
المبادرة يدعمها السياسي الفلسطيني العميل محمد دحلان، ويظهر أن الإمارات في الواقع تقوم برعاية هذه العملية، لإبعاد قطر عن غزة، إذ تبدو الإمارات أكثر موثوقية لـ»إسرائيل» من قطر.
وجود 1000 جندي أمريكي يعني الاحتلال والحصار الأمريكي لغزة، أياً كان وجودهم في البحر أو البر، فهذه القوة العسكرية حربية وليست شرطة حماية المقاولات.
من الممكن أن تكون «إسرائيل» وأمريكا والدول الأوروبية تخطط للاستفادة من الحرب الراهنة لتثبيت وضع تستطيع من خلاله تثبيت وجودها، واستغلال الغاز المكتشف في سواحل قطاع غزة.
موقع غزة استراتيجي من الناحية الجيوسياسية على المتوسط، وتسعى الولايات المتحدة إلى تكثيف وجودها في مقابل الوجود العسكري الروسي في اللاذقية السورية.
* نقلا عن : لا ميديا