احترقت كنيسة نوتردام في فرنسا، قبل أيام، فامتلأت مواقع التواصل الاجتماعي والصحف والقنوات الفضائية بصور الكنيسة وهي تحترق، وامتلأت هذه الوسائل أيضاً بالتباكي على تحفة فنية عمرها 800 عام، كما يقولون.
تحول السطحيون إلى مثقفين عميقين، وذرفوا دموعاً وأمانيَ بزيارة هذه الكنيسة البديعة، ربما لأنهم عرفوها من خلال رواية "أحدب نوتردام" التي كتبها فيكتور هوغو، لكن الأغلبية منهم لم يرَ هذه الكنيسة إلا يوم احتراقها.
وقبل أن يتساءلوا كثيراً كيف احترقت، جاء التصريح من فرنسا بأنها احترقت بسبب ماس كهربائي ناتج عن أعمال الصيانة. لكنهم لم يتساءلوا: كيف تركوها تحترق دون أن تتحرك دولة بحجم فرنسا لإطفائها سريعاً!؟
وأجابوا على هذا السؤال بقولهم: إن الماء سيفسد معالمهم الأثرية!!
يا له من عالم منافق! اليمن تحترق منذ أربع سنوات بصواريخ بني سعود، الذين قصفوا المتاحف والمناطق والقلاع الأثرية، وتطاولوا أكثر حتى طال قصفهم صنعاء القديمة، ومع ذلك لم نرَ كل هذا التباكي تجاه واحدة من أجمل مدن الدنيا وأعرق بلدان الأرض حضارةً وتراثاً وإنسانية.
حتى مثقفونا اليمنيون كانوا يصمتون في مواقع التواصل الاجتماعي حين تقوم السعودية بقصف مناطق أثرية، ويتظاهرون بعدم التواجد مع كل صاروخ يسقط على صنعاء، وقد تصل الوقاحة ببعضهم إلى التشفي أو إلى إلقاء اللوم على الحوثيين بأنهم سبب كل هذا العدوان على اليمن. وحين احترقت كنيسة نوتردام تحولوا إلى متسامحين مع الأديان، ومتقبلين للآخر، ومتباكين على تراثه الإنساني والحضاري، مع أن كنيسة عمرها 800 عام ليست سوى رقم ضئيل بجانب مدينة كصنعاء عمرها 12 ألف سنة، ولا تساوي هذه الكنيسة -من الجانب الحضاري- زقاقاً واحداً من أزقة صنعاء القديمة.
كنيسة نوتردام بالتأكيد هي تراث إنساني وأهم معلم من معالم فرنسا، ومن حق أي إنسان أن يحزن على أي تراث يتم هدمه في أي مكان على الأرض.. لكن كم هو سيئ هذا النفاق بشكله الحضاري التافه الذي سكت عمَّا يحدث في اليمن منذ أربع سنوات، وما زال صامتاً.. اليمن المتحف المفتوح، فأينما وليت وجهك ترى الحضارة تنطق من كل مكان فيه.
كان أول المتبرعين لإعادة ترميم الكنيسة زوج الممثلة الإباحية سلمى الحايك، الذي تبرع بمائة مليون دولار.. ما أسوأ أن يتم إعادة ترميم الكنيسة بما تشقق من سلمى الحايك!!
* نقلا عن موقع لا ميديا