نبوءة لصديقي الشهيد جار الله عمر، كثيراً ما أتذكرها، وخاصة بعد أن تفاقم هذا الضجيج الإعلامي – عبر وسائل الإعلام الأمريكية والصهيونية وما تتبعها من وسائل إعلام عربية – عن المد والتوسع الشيعي أو ما يسمونها بالمشاريع وأحياناً بالمخاطر الإيرانية.
في سياق إحدى الجلسات التي كانت تجمعني به خاصة بعد تعيينه وزيراً للثقافة – أي قبل ما يقارب العقدين – قال لي رحمه الله: إن ساحتنا العربية ستكون ميدان تنافس إيراني إسرائيلي، فهذه إيران تتبلور بمشروع علمي تكنولوجي مصحوباً بمشروع عسكري، وآخر سياسي، وتوازيها بهذا الصدد إسرائيل، وبينهما ساحة عربية خالية من ذلك، حيث لا مشروع علمي ولا عسكري ولا سياسي.. ولن تكون إلا ساحة صراع وتنافس بين إيران وإسرائيل..
وها هو تعاقب السنين والمستجدات يؤكد لنا تلك النبوءة، وبما أن لكل دولة ذات مكانة ومصالح مشاريعها هنا وهناك، كما هو شأن أمريكا وبريطانيا وروسيا وفرنسا وإسرائيل، فإن من الطبيعي أن يكون لإيران مشروعها وقد صارت قوة إقليمية ذات وزن، ومن الطبيعي أيضاً أن تنزعج أمريكا من المنافسة الإيرانية وتحديداً في الشرق الأوسط وأن ترى أميركا نفسها في إسرائيل ذات المشروع المتطابق مع مشروعها الذي تكفلت بحمايتها من أجل تنفيذه، وبما أن إسرائيل منبوذة وجسم غريب في محيطها العربي فلا بد من العمل على تقبلها وتطبيع كيانها في المنطقة أو مع محيطها النابذ لها ككيان غاصب توسعي عنصري، ولتحقيق ذلك فقد توجهت الصهيونية العالمية نحو أنظمة عربية هشة تطلب الحماية وخاصة من شعوبها المسلوبة الحقوق المقموعة والمضطهدة لتعبر من خلالها نحو التطبيع مع الكيان الصهيوني وإذابة القضية الفلسطينية بل وتحويل إسرائيل إلى حليف لمواجهة خطر يتهددها يتمثل في إيران أو الثورة الإسلامية، وهذا ما يتم حاليا من خلال خطوات لم تنحصر على الزيارات والتواصلات بين تلك الأنظمة وبين الكيان الإسرائيلي والتي تحولت من سرية إلى علنية ولا على تصريحات حكام تلك الأنظمة الهشة عن الحق التاريخي لإسرائيل في المنطقة كما صرح بذلك بن سلمان بل تفاقم الأمر إلى العمل من أجل إلغاء الحق الفلسطيني في إقامة دولة مستقلة كما يتضح ذلك من خلال ما أسمي بصفقة القرن أو لقاء البحرين، بل وبلغ الأمر مداه بصفاقة لم يستطع المفكر العربي فهمها فهو يرى أن يعبر عنها بما قاله تحت عنوان ساخر هو “إسرائيل السُّنية”، وذلك عندما تبنت المملكة السعودية ذلكم المشروع الفاشل الداعي إلى تكوين تحالف سني لمواجهة التمدد الشيعي تكون إسرائيل إحدى الدول المشاركة فيه.
هكذا تسير الأمور، وها نحن نسمع مؤخراً عن انضمام السعودية والإمارات إلى تحالف عسكري – يضم إسرائيل- لتوفير أمن الخليج – وهذا ما رفضه العراق العربي، ويدفع اليوم ثمن رفضه..
هكذا يجعلون من فزاعة إيران والتشيع وعمالة تلك الأنظمة الهشة مدخلاً للتطبيع والتمهيد للمشروع الصهيوني وتصوير الكيان الصهيوني كحليف، ونصير للسنة دونما خجل مما يستفز أهل السنة قبل الشيعة، وها هو وزير خارجية إسرائيل يعلن عن معاهدة عدم اعتداء بين إسرائيل ودول الخليج تلك.
كما أسلفنا إنه صراع مشاريع وتنافس على منطقة غنية بثرواتها، هامة بموقعها الاستراتيجي، وما فزاعة إيران ويافطات ” سنة وشيعة” إلا خدمة لتمزيق الصف العربي قبل الإسلامي، وتمرير مشروع صهيوني له أبعاده..
وكيف لا يتسابقون ويتصارعون على ساحة عربية لا تمتلك مشروعاً، وفيها من الثروة والسوق الاستهلاكية، والأهمية الجغرافية ما يسيل له اللعاب.. ومن المضحك المبكي أن أنظمة هشة تسعى لتحالفات عسكرية حتى بالشراكة مع إسرائيل وهي الأنظمة التي لن تستطيع جمع زجاجها المتطاير إذا ما اندلعت أصغر شرر الحرب مع من يتفوق عليها في كل شيء.