تمر الذكرى الجديدة لثورة اكتوبر 63م وهي تفرض سؤالا وطنيا كبيرا , وسؤالا حضاريا وثقافيا بالغ الأهمية , بعد أن تحول المفهوم عن مضمونه الثقافي والاجتماعي والحضاري ليصبح تبريرا لغازٍ جديد يلبس شعار التحرر ويمارس غواية الاستغلال الذي كان يمارسه المستعمر القديم من خلال فرض هيمنته العسكرية والسلطوية على مقدرات اليمن ومواردها الطبيعية ومنافذها , ومن خلال جرف الحياة الطبيعية في سقطرى وزرع القواعد العسكرية , ومن خلال استغلال حالة الفوضى في اقامة مشاريع حيوية في الموانئ كما يحصل ذلك في المهرة.
لقد تحدثت التقارير الدولية عن ممارسات غير إنسانية , ومصادرة للحقوق والحريات , وتنكيل في سجون مستحدثة بذات السيناريوهات التي كانت تحدث في سجن «أبو غريب « في العراق وكأن المؤلف والمخرج هو نفسه , وهو في الحقيقة نفس المخرج كما تدل مذكرات هيلاري كلينتون لكن الذين يستغرقون أنفسهم في خضم التفاعلات لا يدركون أو أنهم يدركون ولكنهم آثروا استغلال المرحلة لتحقيق أمجاد سياسية أو مالية بالمعنى القريب «انتهازيون « فاليمن اليوم بكل مبادئها التقدمية والطلائعية والثورية تتحرك بين فكي انتهازي ذكي بدون دين أو قيم أو أخلاق وبين متدين بدون وعي وفكر يتحرك في فضاء تاريخي تجاوزته المستويات الحضارية المعاصرة.
من محاسن كل التموجات التي حدثت خلال السنوات الماضية أنها حاولت أن تعيد الحقيقة الى مكانها الطبيعي , وأن تقول للناس إن العبودية لن تكون هي الحرية التي يستلذ وجودها الانتهازي , وقالت تفاصيل الاحداث للمستعمر الجديد إن فرض الهيمنة على الشعوب الحرة من الصعوبة بالمكان الذي تعجز عنه الأسلحة المتطورة والحديثة , وأن وعي الشعوب لم يعد بالمستوى الذي يمكن النفاذ من خلاله فقد تجاوز مراحل السذاجة وعدم الفهم الى مراحل متقدمة بدليل أن كل خبراء علم النفس وعلم الاجتماع وعلم الاجتماع السياسي فشلوا في تسويق فكرة التحرير التي يضمر المستعمر الجديد تحت شعارها أهدافه منها , وهذا الفشل الذي تحطم على صخرة الحرية الثورية كان نتاج الوعي الثوري الذي أحدثته الثورة اليمنية الجديدة- أي ثورة 21سبتمبر – التي كانت رؤية تصحيحية لمسار ثورتي : سبتمبر واكتوبر ولذلك سيكون المستعمر الجديد عاجزا عن بلوغ اهدافه.
فالمهرة التي كانت بمنأى عن الصراع السياسي وعن شعارات التحرر لم تستسلم وهاهي تثور , والحناجر التي رفعت شعار «اضرب اضرب يا سلمان « اليوم تهتف بكل جبروتها ضد التحالف الذي يقوده سلمان , فالموضوع ليس سلساً بحيث يمكن تمرير الاجندات من خلاله , فالجماهير التي خرجت برؤية منظمة وبهدف حزبي مضمر في 2015م في تظاهرات تؤيد التحالف دون وعي وتحت شعارات تضليل مبتكرة أدركت الحقيقة اليوم وهاهي تخرج وما تفتأ تخرج بعفوية الرافض وبدون تنظيم حزبي تقودها ثقافة ثورية من غرس سبتمبر واكتوبر ولن تسكت حتى تبلغ مناها وتعيش واقعها كما تريد هي لا كما يريد المستعمر الجديد.
فكل ذكرى لحركة ثورية تمر في وجدان الناس في عموم اليمن من أقصاه الى أدناه تبعث سؤالا ثوريا يحشر الذين يتغنون بأمجاد المستعمر اليوم في زوايا ثورية ضيقة , والشعوب التي تثور ضد الضيم من المحال أن تقبل الضيم قد يطول الزمن وقد يقصر لكن الثورة تظل حالة متجددة غير قابلة للمساومة.
ما يحدث اليوم في عدن وفي الجنوب المحتل تحت شعارات زائفة يعيد ترتيب النسق الثوري في الوجدان وقد بدأت رموزه واشاراته تخرج للعلن في شبكة التواصل الاجتماعي لأن العاجز لا يمكنه أن يصنع حدثا تحوليا مهما تشدق وبالغ في شعاراته كما أن الزائف والمضلل تنكشف عورته وإن تشدق بمفردات الدين وركب موجة الاسلام السياسي أو موجة حركات التحرر وهو يعاني من عبودية مزمنة ما تنفك تلازمه.
فعدن التي شهدت فترة عصية من عمرها تحت نير المستعمر لا يمكنها أن تذل له مجددا حتى ولو أقبل إليها اليوم يحمل مسوح الرهبان فهي تعرف ماذا يريد ؟ وماذا تريد هي ؟ ولعل المستعمر سارع إلى الكشف عن نواياه في الجزر وفي الموانئ بما لا يدع لمرتاب مجالا يخوض فيه جدالا عقيما غير صالح للاستهلاك وقد قالت التموجات الاخيرة في عدن شيئا كثيرا للذين يفرشون وجوههم تحت نعال الغازي الجديد.
سوف تظل ثورة اكتوبر ثورة ملهمة لكل أحرار اليمن ضد أي غاز أو مستعمر أجنبي , وربما تكون ثورة اكتوبر في عامها هذا غيرها في كل الاعوام فهي ثورة ملهمة لحركة التحرر ولن يهنأ غاز فكَّر في أذية اليمن أو حاول فرض هيمنته عليه.
تحية لثورة اكتوبر في عيد ميلادها الجديد , وعاشت اليمن حرة ابية.