صناعة خازوق تركي من مشكلة طبقية صينية
تحاول أمريكا استعادة «الشرق الأوسط» من «الشرق الأقصى»
بمنأى عن التعاطف مع الصين:
مشكلة الأويغور هي نتاج للتحول الصيني نصف الرأسمالي إلى نظام السوق المعمول به في نطاق أقاليم معينة فقط، بينما تتولى الحكومة إعادة توزيع جزء من دخول وعائدات المدن والأقاليم الصناعية على الأقاليم الزراعية تبعاً لقواعد الاقتصاد الموجه.. إقليم شينج يانج حيث يقطن الأويغور، "وهم عرقية مسلمة تتحدر من أصل تركي" يعتمد اقتصاده بالأساس على الأيدي العاملة التي تُلزم الحكومة الصينية المستثمرين في الأقاليم الصناعية على تأهيلها ودمجها في سوق العمل، ومن هذه السياسة الهجينة (نظام اقتصاد شبه موجّه تمثل الدولة حجر التوازن فيه بين السوق الحر والمجتمعات الزراعية والقوى العاملة)... من هذه السياسة الهجينة احتدمت مشكلة الأويغور التي يجري توظيفها اليوم باعتبارها اضطهاداً لأقلية مسلمة على النقيض لما هي عليه ولطبيعتها الطبقية في زمن التحول الصيني من الاشتراكية الماوية إلى اللبرلة مع بقاء زمام التوجيه في يد الدولة.
تتمظهر هذه المشكلة "الأويغورية" التي يضارب بها خصوم الصين الغربيون ووكلاؤهم في الشرق بطبيعة الحال، في كون المستثمرين وأصحاب الرساميل الصناعية الأجنبية يضغطون باتجاه تحكيم مبدأ العرض والطلب في التعاطي مع الأيدي العاملة للتنصل من إلزام الحكومة لهم باستيعاب عمالة فوق حاجة السوق الحر الصينية في سياق حضور دور الدولة على مستوى توجيه الاقتصاد وتوزيع القوى العاملة بما يحافظ على النسيج الاجتماعي الصيني مستقراً، ويحمي ركيزة الاقتصاد الزراعي بالدرجة الأولى من الذوبان في خضم محيط الاستهلاك بنمطه الغربي.
بقاء جيش من العاطلين خارج السوق في تشينج يانج يؤجج التظاهرات على مدار العام، ويبرهن على عجز بنية الحكومة الصينية ذات الجناحين النقيضين (الموجه والليبرالي) في الإمساك بزمام هذا الاقتصاد الهجين إلى الأبد، كما يتيح لخصومها الغربيين، لاسيما الأمريكان، استثمار هذا التضارب الناجم عن تطور الاقتصاد الصيني بالاتكاء على مفهوم السوق الحر (الغربي) دون الأخذ بمفاهيم حقوق الإنسان (الغربية هي الأخرى)، ودون أن تنهض الصين باستحقاقات كونية تنهض الدول الصناعية بها من قبيل "حماية المناخ ومعضلة ثقب الأوزون ورفع سعر اليوان في مقابل الدولار". وهكذا فإن معضلة الأويغور (الطبقية بالأساس) تتحول بالاستثمار الغربي إلى معضلة "أقلوية دينية عرقية"، وتهدف آلة التحوير هذه لضرب تحكم الدولة بزمام المعادلة الاقتصادية الهجينة الراهنة (الزراعية الصناعية شبه الموجهة)، كما وإلى دفع الرساميل الأجنبية إلى العزوف عن السوق الصينية التي تستقطب قدراً كبيراً من الرساميل الأمريكية بفعل التسهيلات والفرص والأيدي العاملة، بينما تطمع هذه الرساميل في دمج القوام البشري الصيني الضخم في أتون نمط الاستهلاك الغربي بمنأى عن اللزوميات الاجتماعية الاشتراكية (العتيقة) المفروضة على عاتق المستثمرين، وهو شرط الاستقطاب الوحيد المفقود في الصين حتى اللحظة.
لا تريد أمريكا ولا الاتحاد الأوروبي الدفع بالاستقرار الذي تشهده الصين إلى الهاوية كلياً، فهذا المسرح الشرقي الواسع يمثل متنفساً للأزمات الطبقية التي يعاني منها مركز الهيمنة الغربية الكونية، كما أن القوام البشري الذي يتعدى المليار ونصف المليار سيمثل معضلة كونية كبرى في حال انفراط عقد الدولة بفعل اللعب بورقة الإثنيات والأعراق إلى أبعد من حدود الابتزاز المهدف والمحدود.
وتلافياً للعب المباشر ذي التداعيات غير المحمودة العواقب على العالم، تغذي الولايات المتحدة و"إسرائيل" مشكلات أقلوية دينية موازية في الجوار الصيني كمسألة "تهجير روهينجيا ميانمار"، وهي تغذية تعود لعقود حيث عملت أمريكا على إغراق الأقليات المسلمة (مجازاً) في مستنقع التلقين والتمويل الوهابي السعودي عبر سلسلة لا متناهية من المراكز والجمعيات التعليمية والخيرية والإغاثية السعودية والقطرية والإماراتية والكويتية الناشطة في الشرق الآسيوي الأقصى منذ وقت مبكر.
وقد دفعت الولايات المتحدة بعشرات الآلاف من "الأويغور تحديداً والأقليات الأخرى" إلى "ساحات الجهاد في سوريا" مع بداية الحرب الكونية على الجمهورية العربية السورية، وتلقى هؤلاء تدريبات نوعية في معسكرات إعداد تركية تحت رايات "داعش والنصرة"، وتكاثروا بـ"جهاد النكاح" بحيث باتوا قنبلة نصف ذرية تهدد بها أمريكا الصين عبر اللسان التركي، لاسيما مع انتصار سوريا وحتمية عودة "جيوش الجهاد الملونة وفائض العنف" من سوريا إلى مساقط رؤوسها الأصلية.
إن إعادة الدور الوظيفي التركي - القطري إلى الواجهة عقب بيات ما بعد فشل "الربيع العربي" وخيبات التحالف السعودي الإماراتي في اليمن وأفول إدارة ترامب كضربة حظ عاثرة ومؤشرات عودة الديمقراطيين للبيت الأبيض، هو ما يجري العمل عليه اليوم، فتركيا التي توقع اتفاقيات تعاون مشترك عسكري وتجاري مع "حكومة السراج الإخوانجية في ليبيا"، وتجتاح الأراضي السورية باسم "تجفيف منابع الإرهاب المهدد لها"، وتضارب ملوحة بورقة "النازحين من سوريا والعائدين من ذوي الجنسيات الأوروبية" في وجه أوروبا وألمانيا تحديداً؛ هي تفعل ذلك بتنسيق مخابراتي سياسي رفيع المستوى مع "واشنطن - تل أبيب"، حيث يحتاج الثنائي الاستعماري الأخير إلى أراجوز خليفة عثماني بديل لـ"الخليفة العربي ابن سلمان"، يعيد تخويض متغيرات المنطقة السلبية لجهة المشروع الأمريكي بالتشاطر من أراجوزات خصوم هم واجهة غربية أيضاً من قبيل "حفتر والسيسي وابن زايد"، بينما العين بالكلية هي على محور المقاومة بأرصدة قوته الجديدة المتنامية والضاربة بانضمام اليمن إليه وانتصاراته المدوية خلال 5 أعوام من الاشتباك مع تحالف العدوان الأمريكي السعودي الإماراتي.
إن لعب دور الغيور والمنقذ لمسلمي العالم والمناصر لشعب فلسطين وقضيتها هو محاولة تركية فاضحة بإيعاز أمريكي لسحب البساط من تحت أصحاب القضية الحقيقيين في محور المقاومة الذين يؤلفون اليوم قوة لا قبل للأحادية القطبية بها في المنطقة، ولا لوكيلها العبري المتقدم الكيان الصهيوني، وهذا يجعل من الصين وروسيا أقرب إلى مجال الاستقطاب شرقاً منه لجهة الغرب بتأثير الحضور الوازن والفاعل لهذا المحور العربي الإسلامي المقاوم.
ذلك جوهر ما تخشاه أمريكا وتتلافى حصوله بسيناريو وقائي عبر تخويض متغيرات التوازنات المتخلقة في الشرق العربي والإسلامي والآسيوي في جعبة أدواتها الوظيفية كما تحاول اليوم على المستوى اليمني رعاية "تحالف تركي قطري بواجهة يمنية مناهض للتحالف العربي"، سعياً لسحب البساط من تحت أقدام القوى الوطنية والثورية التي واجهت تحالف العدوان ومشروعه عسكرياً وسياسياً وثقافياً واجتماعياً، وانتصرت عليه، وحازت استحقاق الوجود المقتدر مستحق السداد.
* نقلا عن لا ميديا