أغنيـة محمد
للشاعر الألماني يوهان فولفجانج فون جوته -
نظرة إثر أخرى
بملء السنا والسكينة ماضية
نحو كل الينابيع،
حتى كأن سناها
أسارير نجمٍ دنت من ثنايا السحاب
هكذا راح يبعثها
نظرةً نظرة
يا صباه الذي كلّ روحٍ إلهيةٍ أودعَتْ فيه مُرضعةً
جُلَّ آمالها
في مدى كل حَزْنٍ بعيدٍ هناك
وهو في الغار مرتحلاً
إذ يفر وحيداً إلى الله
عن أعين الآخرين
يا لهذا الفتى
هابطاً من عروش السحاب
وكالموج في عنفوان الشبيبة مسترسلاً
فحتى إذا ما استقلّت خُطاه
صخوراً من المرمر
انبسطتْ في مداه
راح يلهج بالحمد ثانيةً
نحو باب السماء
يا لمعراج روحٍ وقلبٍ معاً
في ارتقائهما نحو أعلى سموات
وهو يعبرها سدرةً في العلاء
يسابق مدّاً موشّىً من الكائنات الصغيرة
ماض
وفي خطوة الملهم الفذ
من منهلٍ واحدٍ
يُترع القلب نخبَ الأخوّة
كأساً فكأساً
ويأتي بها
خطوة إثر أخرى
فترفضُّ زاهيةً إثرها
واحةٌ من زهور
ويخضلُّ حياً بأنفاسه
كل مرجٍ على الأرض
ليس من دوحةٍ للسكينة إلا وراحت
تميس بأفيائها نحوه
إنما
لم تكن إذ يمر ليتسع الفيءُ منها احتواءً
ولا وردةٍ
وهي تمضي معانقةً منه كلَّ الخطى
أن تملّقَهُ في عيون المحبة زلفى إليه
إذَنْ
فليكن سَيْرُه أنجُماً يُستدلُّ بها
نحو كل البلاد
خطوة خطوة
والجداول جذلانةٌ ذاب في لحنها كلُّ لحنٍ
لَكَمْ تشتهيه ائتناساً
وأنفاسها في حبورٍ تناغيه
وهو ماضٍ بزهو اللجين إليها
إلى كل ماءٍ وأرضٍ
إلى حيث كل البلاد
بملء المدى راح يزهو
فيزهو به كل ماءٍ وأرضٍ
وكل البلاد
جداولها في الجبال
وأنهارها في السهول احتفاءً به
كلها أجمعتْ زهوها
في هتاف الزغاريد صوتاً سخياً
ألا أيها التِّرْبُ يا تِربَ أرواحنا
خذ بنا إخوة
نحو منهلك العذب ذاك الذي لا يزول
يداه كأنهما في انتظار
هنالك مفتوحتان
فسافر بنا
آه إن الرمال استشاطت
بصحراءَ قاحلةٍ
تنهش الأرض من تحتنا
والشموس هوت فوقنا تستجمّ وترضع من دمنا
وتلالاً تحول بنا والوصول
نحو ذاك المحيط
أخانا
إليك الأخوّة من كل سهل
ومن كل فجٍّ عميقٍ.. فخذنا
اصطحبنا إلى حيث تلقى أباك
صرخة إثر أخرى
«لتأتوا جميعاً»
يقول الفتى في حماس العظيم «جميعاً»
فيا للفتى
كان جيلٌ من الناس يهتاج في قلبه
وشموخٌ يطال السماء ارتقاءً
على كل عرشٍ
بعيداً.. بعيداً هناك
ليعطي لكل البلاد البعيدة أسماءها
والمدائن
كل المدائن تأتيه مذعنة
كلما راح يمضي هناك
صرخة إثر أخرى
فتمضي بيوتٌ من الأَرْزِ محمولةً
فوق أعناق من شاءهم
يرحلون بها كل أرض
يهبّون يسرون من قلبه
والبيارق
آلاف آلاف تخفق نحو النداء
تسافر سامقة عنه في كل شبر
تشير إليه: عظيماً
عظيماً
محمد
...
صرخة صرخة
كان يحمل في قلبه
كل ماء على الأرض
كان يحمل أترابه
كان يحمل خيراته
كان يحمل أبناءه
موغلاً نحو نور السموات والأرض
في فرحة غامرة.
* نقلا عن : لا ميديا