تقف الجبهة الثقافية كجبهة موازية للجبهة العسكرية في مواجهة العدوان، من خلال جمع الكلمة وتوحيد الجهود المختلفة ونشر الوعي بين فئات المجتمع وتبني قضايا الوطن في مجالات متعددة.
وما تشهده الساحة الثقافية والإبداعية من حراك ثقافي وتنويري متصاعد إنما يعبر ويدل عن أن هناك مواجهة ومناهضة حقيقية وفاعلة للعدوان، فالأديب والمبدع والمثقف لم يغب يوماً عن قلب الحدث، بحسب ما يؤكده المثقفون والأدباء في أجراء البلاد، وهذا المثقف والمبدع دائماً ما يعبر عن مواقفه الرافضة والمستنكرة لكل جريمة ترتكب في حق أبناء الشعب، فضلاً عن السعي في تشكيل وعي المجموع وتوحيد الصف، في ظل واقع مضطرب نحو تنمية مشاعر الولاء والانتماء للوطن، من خلال العديد من المساهمات المتمثلة في جملة من الكتابات المتنوعة، وتكثيف الأنشطة والإصدارات التي تؤكد استمرار المواجهة والتفاعل مع القضايا الوطنية العامة بوعي حقيقي.
إن كل ما يقوم به المثقفون والمبدعون أثناء الأزمات التي تمر بها بلدانهم يأتي في سياق أشكال المقاومة الثقافية وهي بتعدد أنواعها تهدف كما ينبغي أن تكون عليه إلى السلام والترويج له، والمبدع له دور أساسي في الترويج لذلك السلام والحوار بين أبناء وطنه أولاً وقبل كل شيء لأن المبدع يرفض الحروب بكل أنواعها وليس له سلاح يحمله لأنه يفهم أن السلام والدعوة إليه دليل على الرقي والتحضر حتى لو فهم الآخرون أنه موقف مشبوه لكن الغاية النبيلة لا تعمى على ذوي البصيرة.
نفس الموقف هذا سيتخذه المثقف الحقيقي حين يمارس وطنه فعل العدوان على أي بلد آخر مهما كانت أسبابه بمعنى أوضح يصبح المبدع في كل الأحوال العين التي تطل على العالم من فوق لا ينتمي إلاّ إلى السلام والمحبة والإنسان ويدعو إلى كل ذلك دائماً.
لا أحد ينكر الدور الكبير للأديب في الدفاع عن الوطن وسيادته وأمنه واستقراره، هذا الدور لا يقل أهمية عمن يحملون السلاح ذوداً عن تراب الوطن الذين يقدمون أرواحهم في ميادين القتال، فالكلمة سلاح الأديب والمثقف، فمن خلالها قد يغير في سياسة دول، وفي مصير أمة وعبرها تستثار وتشحذ الهمم وترفع المعنويات.
فالمثقف والأديب والمبدع الحقيقي هو صاحب رسالة ينبغي أن يستغلها فيما يوحد الصف ويجمع الكلمة، وبالنظر إلى تاريخ الثورة اليمنية المجيدة يجد أن من قاد تلك الثورة هم صفوة المجتمع من الأدباء الذين سخروا كلماتهم لنصرة قضية اليمن من حملوا على عاتقهم حرية الكلمة.
وما يعول على المثقف والكاتب والأديب خاصة في هذه المرحلة التي يعيشها الوطن المكلوم منذ ثلاثة أعوام والذي انتُهكت حرمة دماء أبنائه وحرمة أرضه على مرئ ومسمع من العالم الصامت إزاء قضيته، وعليهم اليوم حمل رسالة الدفاع عنه واسترداد كرامة أبنائه الأحرار بكل طرق ووسائل الإبداع المقروءة والمسموعة، خاصة في ظل الانفتاح الذي يشهده العالم من خلال استخدام وسائل الإعلام بكل أشكالها وصورها وعبر وسائل التواصل الاجتماعي ومن خلال التوعية الثقافية وإقامة الندوات والمهرجانات التضامنية مع قضية وطننا الحبيب من خلال الفن التشكيلي المعبر عن مأساة المواطن الذي أصبح يقاسي الحرب والمجاعة، ومن خلال المسرح الواعي والهادف الذي يقدم من خلاله عمل إبداعي راقي يجسد معاناة الإنسان اليمني الطفل والمرأة، الأم الثكلى، الزوجة المفجوعة في زوجها، الشهيد المدافع عن وطنه، من خلال الخطاب الصحفي الواعي الناشر للحقيقة الذي ينشر في كافة الصحف المحلية والعربية والدولية، الواقع الذي نعيشه رغم مرارته أرض خصبة للإبداع، أرض ينطلق منها المبدعون، فرصة ليثبت المثقف والمبدع عبرها ولائه لهذه الأرض، ينتصر خلالها لقضية الوطن، الذي يحتاج اليوم لكل صوت، لكل رصاصة حرف تخترق أفئدة العدو وتربك صفه وتجعله يعيد حساباته، هي أمانة الكلمة التي ينبغي أن يدركها الأديب فلا مجال اليوم للصمت وأرواح اليمنيين تحصد فمن لم يتكلم اليوم لا حاجة للوطن لكلامه غداً.
ومن خلال الأنشطة والفعاليات الثقافية يلعب الأدباء والمثقفون والمبدعون دوراً بارزاً في مواجهة العدوان الهمجي الغاشم سواء من خلال القصائد الشعرية الوطنية الفصحى أو العامية أو الشعبية أو من خلال الزوامل التي لعبت أيضاً دوراً كبيراً في شحذ الهمم وتحفيز أبطال الجيش واللجان الشعبية والمواطنين على الصمود ومجابهة العدوان.
وما يجب أن يترسخ في الأذهان أن المثقفُ الحقيقي هو الضوء الذي يبدد الظلام ويبني بفكره المستنير الوطن والمجتمع والإنسان، فإذا مارس دوره الفكري الثقافي النهضوي بإخلاص ومثابرة وصبر فهو بذلك يحصّن الوطن من كل الأخطار والموت الذي يدمي الأرواح والقلوب والخراب الفج الذي يؤذي حتى العيون، فيجب أن تكون القيم والمبادئ ثابتة عند المثقف والمبدع ومن الطبيعي أن يكون الرأي مرناً ومكتوبا بالقلم الرصاص، لأنه قد يتغير بتكشف الحقائق أمامه، وهكذا يتخلص المثقف من الأدلجة والفكر الموجّه الذي يتحكم بمواقف الكثير ممن يسمون أنفسهم “مثقفون” وهم مجرد خرفان في قطيع.
وأما الإبداع فهو أكثر الأشياء وصولاً وانتشاراً وتأثيراً بلغته الكتابية أو السمعية أو البصرية الراقية، ولا يكون حقيقياً إلاّ إذا كان يحمل قضية تمس الشعوب.. أو بالأحرى القضية الأقوى التي تهم كل الناس.. ليحكي عن معاناتهم ويعكس الواقع ويثري ويناقش ويختصر ويكثف قضايا المجتمع وهمومه بشكل صريح أو رمزي له دلالته الجمالية الواضحة، وهذا هو الدور الأهم في الحياة.
* نقلا عن الثورة نت .