|
مسابقة الجوع وهوليود الأمم المتحدة
بقلم/ د.أسماء الشهاري
نشر منذ: 4 سنوات و أسبوع و يومين الثلاثاء 08 ديسمبر-كانون الأول 2020 06:48 م
ارتبط في ذهنها منذ الوهلة الأولى لنشأتها أن تحقيقها للمكاسب وبسط نفوذها وسيطرتها مرتبط بمعاناة الناس وجراحاتهم وأنه كلما ازدادت هذه المعاناة تزداد سلطتها وتسلطها عليهم في الوقت نفسه، وهكذا تستمر أمريكا في جني الأموال وتحقيق أقصى ما تستطيع من المكاسب دون أن تبذل جهدًا يُذكر سوى ممارسة هوايتها المعتادة منذ عقود من الزمن، فهي أمريكا التي قامت منذ نشأتها على الدماء، فما فعلته بالهنود الحمر السكان الأصليين للأمريكيتين لا يخفى على أحد، ثم استمرت في ممارساتها الإجرامية حتى بات يُعتقد كما لا يستطيع الإنسان العيش بدون هواء، لا تستطيع أمريكا العيش بدون دماء.
وكما يشرب الآدميون الماء، تشرب منزوعة الآدمية أنهارًا من الدماء من مشارق الأرض ومغاربها أو على الأقل تكحل عينيها برؤية المذابح والمجازر في شتى بقاع الأرض والتي تقف من وراءها ويد الصهيونية مشاركة لها في كل مرة فهي السبب وراء كل جريمة وفساد في الأرض وهذا ما أثبتته الأحداث والوقائع من هيروشيما اليابان إلى هيروشيما فج عطان اليمن، ومن أزمة الصومال والمجاعات في أفريقيا إلى جرائم التمييز العنصري في أمريكا نفسها والتي سمع عنها و رءاها العالم بأسره فكلما تعددت مناطق الجرائم يكون أفضل بالنسبة لها، وإن لم يكن هناك جثث ودماء فإنها لن تعجز في إيجاد ألوان أخرى من العذاب لبني البشر، هي لا يهمها أكانت المعاناة في البيض أم السمر، في المسلمين أم الهندوس أو غيرهم، المهم أن تكون هناك معاناة في البشرية حتى تشبع غريزتها الحيوانية المتوحشة وتشعر بالرضا بأنها زعيمة الاستكبار في العالم.
لا نعرف لماذا، لكن يبدو الأمر كأنه ضرورة للبقاء، من ناحية فسيولوجية وسيكولوجية، ومن ناحية أخرى أن زرع المشاكل وتغذية الصراعات وتوزيع المصائب على المعمورة يعني لها السيادة والريادة.
وعلى الرغم من أن أشد الحيوانات افتراسًا لا تقتل إلا لتأكل كحالة ضرورية للبقاء، لكن الصهيوأمريكية العالمية تقتل لأجل القتل وإشاعة الدمار والفوضى، ولا تتوقف عند القتل كحالة ونتيجة سيئة في حد ذاته، ولكنها تتفنن فيه وفي ابتكار طرق وأساليب مختلفة في كل يوم، وكأنها تستمتع وتتلذذ بالجريمة، لهذا صنعت لنا داعش التي تمثل اليد والآلة التي تترجم حقيقة مشاعرها وأعمالها، لأنها ولكي تشعر بالنشوة فإن القتل بمفرده لا يكفي، ما لم يكن مصحوبًا بالذبح والسحل والحرق والرمي من شاهق.!
كل هذه الجرائم كانت تطبق في السجون السرية، لأن القتل أو السجن لا يكفي ما لم يكن مصحوبًا بألوان من العذاب حتى تشبع تلك الغريزة الشيطانية وليست الحيوانية فالحيوانات أرقى منها وأطهر.
هذا ما وجدناه في معتقلات غوانتانامو وأبو غريب وآخرها ما تشيب له رؤوس الولدان مما صنعه عملاؤها الإماراتيون في السجون السرية بعدن، فهي لن تعجز في صناعة مسوخ بشرية من أشباهها وهذا ما أثبتته في كل مرة طالما ستكون دائمًا العقل المدبر لكل شر يحصل في هذا العالم وتكون ضميرًا مستترًا يقود إلى عالم من الرذيلة والإجرام.
إذن كأنها روح شريرة وهي لا تجد حرجًا من ذلك بل تتباهى به، وهو ما حاولت إيصاله لنا في العديد من الأعمال الهوليودية، وبالأخص تلك التي تسعى لإيصال فكرة نشر الذعر والخوف والإرهاب للناس من كائنات عجيبة، قد تبدو في الهيئة بشرية مثلها، لكن عاداتها غريبة وأعمالها مريبة، وأهم صفاتها هي القتل والتعذيب بدون مبرر، فقد تتسلط على هذا الشخص أو ذاك دون سبب ودون أدنى أذى منه تجاهها، سوى أنها تملك أرواحًا خبيثة وقد رأت أن تتسلط عليه فقط حتى تستمتع برؤيته يصيح من الألم وبغية إيذاءه.
وكم كان عليها أن تكرر من الأفلام أو الأعمال حتى توصل هذه الفكرة للناس وليفهموها!
ومن هنا يظهر لنا أهمية الإنتاج الإعلامي الفني في صناعة الوعي الجمعي وتأثيره على الشعوب.
إذن ليس من الضروري أن تكون معاديًا لها لكي تؤذيك، بل ربما قد تكون لا تفكر في ذلك، لكنك رغم ذلك لن تسلم من أن تكون وجبة دسمة لتمارس عاداتها الشيطانية الإجرامية فيك، إن هي صادفتك أو وصلت إليك، حتى يتسنى لها الاستمرار في الحياة طالما وهي تمثل دور “الشيطان الأكبر” فيها.
وإذا لم تتضح لك الفكرة بعد كل ذلك، ولكونها لا تستطيع إيذاء ملايين البشر بممارسة الإجرام المباشر عليهم، فلن يعجزها الإطاحة بالملايين في آنٍ واحد بقنبلة نووية مثلًا كما في هيروشيما اليابان، ولماذا تم صناعة هذه الأساطير من الأسلحة ما كان منها يطير أو يزحف على الأرض أو يعبر من باطنها، إلا لرؤية ركام الدمار وأشلاء الناس المبعثرة والملطخة بالدماء، لكن يظل بجعبة الشيطان الأكبر العديد من الطرق والوسائل، هاكَ إحداها، بل وأهمها في الوقت الراهن على الأقل إنه “القتل بالتجويع” أو ما يعرف بـ “الحصار”، فهذا النوع من التعذيب يدخل تحته الملايين من الناس، قد تطلق عليها بعض الأسماء مثل “عقوبات”، لكن في باطنه هو العذاب أو التعذيب الذي تهوى إلحاقه بالبشر، كما عملت في العراق وإيران وغزة طويلًا، وكما عملت مؤخرًا في اليمن الذي يكاد يُنهي عامه السادس تحت حصار جوي وبري وبحري هو الأسوأ من نوعه في التاريخ.
لم يعد هنالك مجالًا للشك من أن كل عذاب يلحق ببني البشر يقف خلفه الشيطان الأكبر “أمريكا” وربيبته “إسرائيل”، ولهما العديد من الأذرع في كل مكان في العالم من العملاء والذين يعتبرون شياطين أيضًا لكنهم يتّبعون الشيطان الأكبر الرجيم ويأتمرون بأمره.
وإذا ما عُدنا للحصار أو القتل بالتجويع، فهو أمر جدّ فظيع، وماذا بعد أن يحارب الإنسان في قوت يومه ولقمة عيشه، قد لا تراه أمريكا ماثلًا أمام عينيها وهو يتلوى من ألم الجوع، لكن يكفي لها أن تتخيل ذلك، كما سيصلها العديد من الصور، مثل تحيتا الحديدة، أو تقارير المنظمات كالأمم المتحدة وسيكون تعبيرها دقيقًا إلى حد كبير، بأن ما يقارب 90‰ أو يزيد من أهل اليمن أصبحوا وشيكين من مجاعة حقيقية والكثيرين منهم في حالة انعدام تام للأمن الغذائي، وأن الآلاف من الأطفال يقضون جرّاء ذلك.
ومن هنا نجد أن الأرقام التي تشير إلى حجم الكارثة وعدد الضحايا يمثل سلوى بالنسبة لرأس الشر والإرهاب في العالم، وبالأخص إذا كانت المساعدات التي تتعهد بها المنظمات الدولية كالأمم المتحدة وغيرها، لا تتعدى كونها أرقامًا هي الأخرى مهما بلغت، يسمع عنها المنكوبون كثيرًا ولا يجدون منها على أرض الواقع إلا الغثاء، والأدهى من ذلك أن تصلهم هذه المساعدات في غالبها منتهية الصلاحية كانتهاء صلاحية إنسانية الكثير من العاملين فيها.
هوليود هي الأخرى وكعادتها في محاكاة كل ما يحصل على أرض الواقع وإخراجه في عمل فني تجني منه هو الآخر العديد من المكاسب، نجد قديمًا فيلمًا تحدث عن “مسابقة الجوع” والذي تختار فيه المقاطعة الغنية مجموعة من الأطفال من المقاطعات الفقيرة المحيطة بها والتي حاولت الثورة عليها في يوم ما، كعقاب لها، حيث تتكرر هذه المسابقة سنويًا، والتي يهلك فيها العديد من الأطفال في مسابقة الجوع ليبقى متنافس واحد في النهاية.
تم عرض الفيلم في 23 مارس 2012، وحقق في يوم الافتتاح 67.3 مليون دولار أمريكي، و152.5 مليون دولار أمريكي في أول أسبوع مما جعله في المركز الرابع كأعلى إيرادات في أمريكا الشمالية في أسبوع الافتتاح فقط.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا، لماذا نجد العديد من الأعمال الهوليودية متجسدة على أرض الواقع في أوطاننا إلا أنها ترجمة لمشاعر أصحابها، وتصويرًا لما قاموا أو يريدون القيام به، حيث تستغل أمريكا وقوى الاستعمار جانب الإنتاج الفني بشكل كبير كجزء من الحرب الناعمة في تهيئة الشعوب لتقبل مشروع الاستعمار والاحتلال وممارسة سياساتها الإجرامية.
ومن الأدلة على صحة ذلك ما تم إنتاجه من أفلام مثل فلم قواعد الاشتباك، وفلم آخر عن اليمن كان يحاكي إلى حد كبير جزء من العدوان الحاصل فعليًا والذي تم إنتاجه قبل العدوان، وأما عن فلم “مسابقة الجوع”، فنجد الصلة كبيرة بينه وبين توجيه أمريكا للأمم المتحدة بتوقيف الأعمال الإنسانية في اليمن مؤخرًا في مختلف القطاعات، والتي لم تكن بالشكل المطلوب كما ذكرنا، لكنه كان يساهم بشكل ولو يسير في تخفيف وطأة المعاناة الكارثية التي خلفها العدوان والحصار طيلة الأعوام الماضية.
ويعتبر إعلان الأمم المتحدة عدوانًا جديدًا يضاف إلى قائمة الانتهاكات للحقوق الإنسانية في اليمن، وهي ذاتها وبإيماء من أمريكا وأموال من السعودية من تقوم بحذف اسم الأخيرة من قائمة العار وقتلة أطفال اليمن في كل مرة.
إن المتأمل يجد أن وراء كل وجه قبيح شعارات برّاقة يحاول بها الآخر أن يغطي سوأته، كأمريكا ومحاربتها للإرهاب في العالم، والأمم المتحدة ودعمها لحقوق الإنسان فيه.
وفي الجهة الأخرى نجد أن ما تقوم به أمريكا عدوة الشعوب والإنسانية هو التعبير عن مشاعرها الإجرامية بشكل مباشر أو عبر أدواتها المتعددة ذوات الأقنعة المختلفة كالمنظمات المتشدقة باسم الإنسانية وغيرها، أو عن طريق أعمال هوليودية تترجم فيما بعد من دهاليز هوليود إلى أعمال عدائية مباشرة، كما حدث مؤخرًا في كواليس الأمم المتحدة بحق اليمن، والتي تدعي أن من أهدافها مكافحة الجوع والفقر والمرض لتصبح الصانعة والراعية له وهي تعلن سحبها لجميع أنواع الدعم لمختلف القطاعات لليمن كربيبتها أمريكا المسؤول الأول عن العدوان والحصار، لترى “مسابقة الجوع” ماثلة بين أبنائه، لكنها ستخيب وتخيب كل مساعيها بحول الله وقوته،
فالشعب اليمني شعب الإيمان والحكمة يتمتع بثقافة وبصيرة ووعي عالٍ مكنه ويمكنه من إدراك جميع مخططات الأعداء وحروبهم الناعمة والعسكرية الصلبة ولهذا صمد وثبت في مواجهتها طيلة سنوات العدوان، ليبقى اليمن وأبناءه عزيزًا شامخاً منتصرًا بقوة إيمانه وإرادته رغم كيد الكائدين.
لكن ما ينبغي التأكيد عليه هو العمل على تطوير هذا الوعي وتنميته في شتى المجالات ومنها مجال مواجهة الحرب الناعمة وإنتاج الأعمال الفنية المقابلة لأساليبهم؛ لأن العدو يعمل بشكل دؤوب على تطوير أساليبه الإجرامية المتعددة وبالأخص مجال الحرب الإعلامية الناعمة حتى يكون مواكبًا ومفندًا لجميع مخططات الأعداء وأساليبهم الشيطانية في غزو الشعوب وتدجينهم.
* المصدر : رأي اليوم |
|
|