طالما وهناك عدوٌّ يتربَّصُ بنا الدوائرَ كمقدِّماتٍ نُسَلِّمُ بأثرها، هناك نتائجُ تترتبُ على تلك المقدِّمات، ولعلنا قد بدأنا نشعُرُ ببعض تلك النتائج التي غاب عن بالنا حسبانُها وتحديدُ مسارها بعد توقعها.
فالسياسة في غالبها ليست بطولات وعنتريات بل صناعة مناخات، وخلق فرص، واقتناص فرص، والخيار العسكري والأمني في السياسة ليس خياراً منطقياً في كُـلّ تموجاتها؛ لأَنَّه لا يفتح طرقاً لمراحلَ وأزمنةٍ آمنةٍ ومستقرة.
وعلينا أن ندركَ أن السياسةَ هي فَنُّ الممكن وفن صناعة المستحيل، وهنا يكمن التحدي في التفاعل اليومي والبيني، والقفز على الحواجز وتجاوزها بذكاء اللاعب لا بقدرته وقوته العضلية أَو المادية أَو العسكرية.
ويمكن أن يقال إننا أمام مرحلة جديدة، هي متغايرة لكنها لا تسير وفق أحلامنا ولا وفق تطلعاتنا بل تكاد تكون صادمة ومعيقة أكثر منها منسابة أَو ساربة في مجرى التطلعات الوطنية، وتبعاً لها لا بُـدَّ من الوعي بها حتى نضعَ فرضياتِها المحتملةَ، فالوعيُ بها هو الوعيُ بالقدرة وبالسيطرة على مقاليد الزمن الذي يسيرُ وفق قراءات واستراتيجيات تريد له أن يكون فاعلاً ومحقّقاً لمصالحها، وتلك الاستراتيجيات وُضعت من قبل مختصين في العلوم الإنسانية المختلفة، وهو الأمر الذي يفرض علينا ضرورة التعاطي معه بقدرة ذهنية تفوقه، وتقفز على شروط “الأنا” المظلَّل في الصناعة والإبداع والابتكار.
لا شك أن الحربَ تركت ظلالاً قاتماً، وعملت على الإخلال بحركة التوازنات في المجتمع، وهي غير واضحة المعالم؛ كون المجتمع اليوم تتنازعه ثلاثة أبعاد نفسية تنحصر في الخوف، والتربص، والمداهنة؛ ولذلك لا يمكن الوثوق بالظاهر وإن بدا شكله واضح المعالم، فالتناقض في المجتمع اليمني قديم، ومحاولة التآلف فيه والتناغم تحتاج زمناً غيرَ قصير على أن يمتاز ذلك الزمن بالاستقرار والرفاه، وبحيث ترتبط الفئات الاجتماعية بمصالح مع السلطة، ومثل ذلك غير متحقّق في مثل الظروف التي تمر بها اليمن اليوم، كما أن الشرخ والهُوة اتسعت بالقدر الذي لا يمكن ردمُ الصدعِ فيه؛ ولذلك فكل المحاولات لردم الصدع ستكون فاشلة، فالعدوّ الذي تواجهه ليس محدودًا ولا قليلًا بل يملك قدرات مهولة.. مهنية ومادية وتقنية.. وأمام مثل ذلك تكون نسب النجاح ضئيلة في السيطرة والردم، مع قناعتنا وثقتنا المطلقة في تدابير الله لكن تدابير الله تسير وفق قانون فطري وهو يقول: (وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ).
تبدو المرحلة اليوم أخطرَ منها بالأمس، وَإذَا استغرقتنا مشاعر الانتصار فلنعلم أن عوامل الانكسار قد تسللت إلى واقعنا، ولعل الواقع يبعث إشاراته اليوم ولذلك نرى:
– لا بد من وجود صيغة توافق وطني وشراكة بين مختلف القوى المناهضة للعدوان معلَنة وواضحة.
– البحث عن صيغة دستورية للحال الجديد وتشكيل حكومة وطنية مكونة من كُـلّ القوى المناهضة للعدوان.
– معالجة آثار الصراعات وترضية النفوس وإرسال رسائل تطمين لا تنفير.
– ترشيد الخطاب السياسي والإعلامي على المستوى الوطني ليكون خطاباً جامعاً وغيرَ مستفز.
فالوضعُ الاجتماعي مع تداعيات الأحداث والحرب والصراعات يعيش مرحلةَ غليان وتعمل الآلةُ النفسيةُ والإعلاميةُ على تنمية مشاعر الغضب وهناك نشاط محموم يسعى إلى إيقاظ مشاعر التنافر والغضب ويعمل على تفكيك عُرَى المجتمع وتعويم الهُــوِيَّة واستغلال كُـلّ ذلك سياسيًّا وأمنيًّا وعسكريًّا، وقد يترك ذلك أثراً كَبيراً على النسيج الاجتماعي والوطني، سواء اليوم أَو في المستقبل المنظور، ولذلك فالترميم يبدأ من بوابة الحوار مع المجتمع وقواه الفاعلة حتى تشعُرَ بوجودها وقيمتها في معادلة الحياة وبذلك نقطع الخطوط التي ينفذ منها العدوُّ أَو نحدُّ منها.