صدر عن البيت الأبيض الأمريكي توجيهاتٌ استراتيجيةٌ للأمن القومي الأمريكي بتوقيع من الرئيس جو بايدن.
أقر الرئيسُ الأمريكي الجديد، جو بايدن، سياسة إدارته في العلاقات الخارجية مع دول العالم، الملاحظ أن فيها عودة إلى استراتيجية أوباما سابقًا، والتي بدورها كانت عدوانيةً خشنةً وناعمةً، أُقرت هذه الجديدة من نائب أوباما سابقًا مع إجراء تعديلات، وارتداد عن بعض خطوات ترامب، وهذه الاستراتيجية كغيرها من الاستراتيجيات الأمريكية رسمتها الحاجةُ الاستعمارية، لا مبادئَ التعاون والصداقة.
الاستراتيجية الأمريكية الجديدة تتضمن نقاطاً خطرة عن اليمن، فلا يوجد أيُّ تغيير جوهري في السياسة الأمريكية لإدارة بايدن عن ترامب، الاختلاف البسيط هو مَيْلُ بايدن إلى التهدئة العسكرية في المنطقة؛ مِن أجلِ وضع ثقل استعماري أكبر في منطقة الهند والمحيط الهادئ وبحر الصين الجنوبي واعتبار الأمن الاقتصادي هو الأمن القومي لأمريكا في هذه المرحلة.
تشير الاستراتيجية صراحةً إلى دعم أمن الكيان الصهيوني ضد حركات المقاومة، ومواصلة دعم نهج التطبيع ومشروع إبراهام العدواني السياسي بمسمى ديني، وقد بدأت مفاعيلُه هذا الأسبوعَ من العراق، كما تنبئُ الاستراتيجيةُ عن حضور أمريكي أكبر في إفريقيا، مما يعني حضوراً أكبرَ في البحر الأحمر وباب المندب اليمنيين.
تتمسك الاستراتيجيةُ الجديدةُ بالنهج العدواني ضد الجمهورية الإسلامية الإيرانية ومحور المقاومة عُمُـومًا، وتبقي الاستراتيجيةُ على ذريعة “مكافحة الإرهاب” في المنطقة، وعلى بقاء المارينز في العراق وسوريا، مع البحث عن حَـلٍّ لإنهاء الحرب في أفغانستان كإعادة لتوزيع القوة، ولم تعد أفغانستان مغريةً كما كانت قديماً.
في الاستراتيجية الأمريكية الجديدة تطمينٌ من واشنطن للمملكة السعودية ودول الخليج الأخرى في استمرار التعامل معهم والتنسيق معهم كشركاءَ، ذكرت الاستراتيجية مفردة “الشركاء” و”العدوان الإيراني” لأكثر من مرة.
وقد حدّدت كما يلي:
“عدم إعطاء الشركاء في الشرق الأوسط شيكاً على بياض لمتابعة سياسات تتعارَضُ مع المصالح الأمريكية والقيم، لهذا السبب قمنا بسحب الدعم الأمريكي للعمليات العسكرية الهجومية في اليمن ودعم جهود الأمم المتحدة لإنهاء الحرب، سيكون هدفنا تهدئة التوترات الإقليمية وخلق مساحة للناس في جميع أنحاء الشرق الأوسط لتحقيق تطلعاتهم”.
ذُكِرَ في الاستراتيجية أَيْـضاً أن دعم الشركاء الخليجيين لن يكون شيكاً على بياض، حَيثُ أقرت الاستراتيجية سحبَ الدعم العسكري الهجومي ضد اليمن، ورفع ما تسميه الاستراتيجية الأمريكية بالدعم الحكومي هو نوعٌ من الابتزاز، فالاستراتيجية الأمريكية تؤكّـد أنها سوف تستمر بدعم المملكة السعودية والإمارات دعماً عسكريًّا دفاعياً.
وما تسميه أمريكا بالدعم الدفاعي للمملكة مغالطةٌ كبيرةٌ، فاليمن مَن هي في موقع المدافع لا المعتدي، وهو دعمٌ كافٍ لاستمرار العدوان على بلادنا. وتشهد هذه الأيّامُ تصاعداً للخطاب الأمريكي المعادي لليمن، بالتزامن مع التقدم نحو مأرب اليمنية وتحريرها من قوى العدوان والجماعات الإرهابية، كما أن الولايات المتحدة ما زالت مستمرةً في سياستها العدوانية على اليمن ووضع شخصيات يمنية جديدة على لائحة العقوبات، وهو مؤشر في عدم جديتها بالمضي في مسار السلام.
كما سيظل التدخلُ العدواني الأمريكي ضد بلادنا تحتَ اسم “مكافحة الإرهاب” وخَاصَّةً في جنوب الوطن محافظة المهرة بالتحديد، ففي العام الماضي قام السفير الأمريكي وكذلك مستشارة الرئيس ترامب بزيارة محافظة المهرة اليمنية والتأكيد على دعمها للمرتزِقة في ما أسمته مكافحة الإرهاب، والتحَرّكات الغربية عُمُـومًا في حالة تنامٍ في المحافظات الجنوبية الغنية بالنفط والمطلة على المياه التي تحمل البضائع العالمية.
توزيع الثقل الاستعماري
تقر الاستراتيجية الأمريكية التوجُّـهَ نحوَ توسيع النفوذ الاستعماري في منطقة الهند، نيوزيلاندا، سنغافورة، وفيتنام، إعادة التأكيد على اتّفاقية الناتو وتوطيد العلاقات مع أستراليا واليابان وكوريا الجنوبية، وكذلك تعزيز العلاقات بالاتّحادات والمنظمات الدولية كاتّحاد آسيان، الاتّحاد الأُورُوبي، والمملكة المتحدة، ومختلف هذه التحَرّكات لا تخرج عن النزعة الاستعمارية الجديدة، فرغم تغيُّرِ الإدارة الأمريكية إلا أن السياسة الاستعمارية هي الحاكمة.
كما تشير الاستراتيجيةُ إلى مواصلة بناء شراكات في إفريقيا والاستثمار في المجتمع المدني وتقوية الروابط السياسية والاقتصادية والثقافية طويلة الأمد، وهذا الأمر يُشير إلى أن منطقة البحر الأحمر ستشهد حضوراً أمريكياً عدوانياً بشكل أكبر، تؤكّـد هذه الحقيقة وصول سفن حربية أمريكية إلى سواحل السودان على البحر الأحمر، تلتها سفينة عسكرية روسية، والمنطقة عُمُـومًا، وسواحل السودان خُصُوصاً مرشحة لحُمَّى تنافُسٍ عسكرية بين القوى الدولية الأكثر تأثيراً.
دعمُ الكيان الصهيوني
تشدّد على دعم الكيان الصهيوني، حَيثُ جاء فيها:
“في الشرق الأوسط: سنحافِظُ على التزامنا الصارم بأمن إسرائيل، بينما تسعى إلى تعزيز اندماجها مع جيرانها واستئناف دورنا كمشجع لحل الدولتين القابل للحياة”.
وما تقصُدُه أمريكا بدمج إسرائيل مع جيرانها إنما هي مساراتُ التطبيع والتوسع العدوانية، أما حَـلُّ الدولتين فلم يعد موجوداً على الأرض، فالكيان الصهيوني تجاوَزَ في احتلاله حدود أراضي 67، أي أنه بات يحتلُّ الجزءَ الذي يُفترَضُ أن تقومَ عليه الدولةُ الفلسطينية، بالإضافة إلى احتلال ما بات يُعرَفُ بدولة إسرائيل.
شهدت فترةُ ترامب فُتُوراً في العلاقة ما بين أمريكا وحلفائها الغربيين؛ لذا تحرص إدارة بايدن على إنعاش هذه العلاقة، لإدراكه أهميّةَ هذه الشراكات، أي عمليًّا أهميّة قيام الدول الحليفة لأمريكا بخدمة المشاريع الأمريكية في الميدان، فالحصةُ الأكبرُ من التدخلات العدوانية تذهبُ نحو الأمريكي وللأُورُوبي الفُتات، والتداعياتُ كما هو عليه حالُ التدخل في سوريا، تسيطر أمريكا على النفط فيما اللاجئين يذهبون إلى أُورُوبا!
حُدّدت السياسةُ الجديدةُ “العملَ مع شركاء أمريكا الإقليميين لردع العدوان الإيراني والتهديدات للسيادة والسلامة الإقليمية وتعطيل القاعدة والإرهابيين المرتبطين بهذه الشبكات، ومنع عودة “داعش” ومعالجة الأزمات الإنسانية ومضاعفة جهودنا المبذولة لحل النزاعات المسلحة المعقدة التي تهدّد الاستقرار الإقليمي”.
“يجب ألا تخوض الولايات المتحدة ولن تخوض حروباً أبدية كلفت الآلاف من الأرواح وتريليونات الدولارات”.
“سنعملُ على إنهاء أطول حرب أمريكية في أفغانستان مع ضمان عدم تحول أفغانستان مرة أُخرى إلى ملاذ آمن لإرهابيين لتنفيذ الهجمات ضد الولايات المتحدة، أَو في أي في مكان آخر، حَيثُ سنضعُ أنفسَنا لردع خصومنا والدفاع عن مصالحنا والعمل جنباً إلى جنب مع شركائنا”.
“في الشرق الأوسط سنحدّد حجمَ وجودنا العسكري ليكونَ بالمستوى المطلوب لتعطيل الشبكات الإرهابية الدولية وردع العدوان الإيراني وحماية المصالح الأمريكية الحيوية الأُخرى، سنوجهُ بمراجعة الموقف العالمي وفق هذه الخيارات، ونضمنُ أنها تتماشى مع أهدافنا الاستراتيجية وقيمنا ومواردنا، وسوف نبذل جهداً لأن تتوافقَ هذه التعديلات مع سلامة الأفراد وبالتشاور الوثيق مع حلفائنا والشركاء”.
“استعادةُ مكانة الولايات المتحدة الريادية على المستوى الدولي ومستوى المؤسّسات للانضمام إلى المجتمع الدولي لمعالجة أزمة المناخ والتحديات المشتركة الأُخرى”.
“يجبُ أن تعكسَ سياستُنا حقيقةً أَسَاسيةً: في الحاضِرِ الأمن الاقتصادي هو الأمن القومي، عن طريق فرض قواعد التجارة الحالية وإنشاء قواعد جديدة تعزز العدالة، العمل مع حلفائنا لإصلاح منظمة التجارة العالمية ودعم حقوق العمل وتكافؤ الفرص والإشراف البيئي”.
“تعزيز المصالح الحيوية في نصف الكرة الغربي خَاصَّةً مع كندا والمكسيك فيما يخص المصالح الاقتصادية، الأمن، حقوق الإنسان، يتم ذلك من خلال عمل الكونجرس على توفير 4 مليارات دولار لمعالجة مشاكل انعدام الأمن والجهرة المنتظمة، العنف الإجرامي، والفساد”.