تحمل أشعار النمري وعياً عالياً بقضية الإنسانية، التي هي قضية الأمة العربية والإسلامية، وهي قضية المقاومة والتحرر من الإمبريالية
الأمريكية والصهيونية. أشعار النمري إلى جانب محتواها الجمالي والروحي هي وثيقة هامة من التاريخ اليمني، لا توثق فقط الأحداث بل وأيضاً الأمزجة والانفعالات الوجدانية.
أشعار النمري بسيطة لا تحتاج إلى شرح، فهي من صلب الوعي الشعبي اليمني وأساليب الشاعر الشعبي في الخطاب والحكاية. وما أقوم به في هذه المادة والتي سبقتها هو مُجرد إشارة إلى هذا الإنتاج الإبداعي لتذوق مضامينه التقدمية التي لا تقل قيمة عن إنتاج كبار الشعراء التقدميين العرب.
الوعي الاجتماعي اليمني
إزاء التدخلات الأمريكية
أشعار النمري باعتبارها جزءاً من الوعي الاجتماعي التاريخي اليمني، توثق لمرحلة من تاريخ شعبنا، مرحلة الهيمنة الأمريكية وتدخلها في شؤون اليمن الداخلية، وتحول اليمن إلى مُستعمرة أمريكية، تحضر فيه الغربة حتى ليشعر المواطن بأنه ليس في دولته. اغتراب وطني يستشعره الأحرار، ويقاومونه ليحرروا الوطن من الوصاية فتتحرر أنفسهم من هذا الاغتراب.
أنا مواطن فيك يا شعب اليمن والا اجنبي
من حقي اتكلم وصوتي ذا الحكومة تسمعه
قادة ومسؤولين في الأحزاب صلوا على النبي
صار اليهودي اللي يدبركم وتشتوا نتبعه
يا مجلس النواب، يا شورى، الوطن ما هو غبي
قلب الحقائق صعب والتعتيم جهل وزوبعة
وتأتي الوثائق الصوتية والمرئية والمقروءة التي كشفتها إدارة التوجيه المعنوي في وزارة الدفاع عن عهد الوصاية الأمريكية شاهدة على صوابية أشعار النمري، فالشاعر لم يطلع عليها سابقاً لكنه امتلك المنهج المعرفي القرآني والوعي السياسي الكافي ليُدرك حقيقة علاقة التبعية التي ربطت اليمن بأمريكا، وهي العلاقة التي كانت تجمل في الإعلام الرسمي بعبارة «وبحث مجالات التعاون بين البلدين».
وقد وصلت هذه التبعية إلى حد أن يقوم النظام السابق وقياداته العسكرية والأمنية بتسليم أسلحة الدفاع عن الشعب والوطن إلى الأمريكي ليدمرها.
ما عاد به في الجيش في الضباط في القادة أبي
مات الضمير الحي وامريكا هي اللي تدفعه
الله أكبر لا قد امريكا تخلي صاحبي
يضرب علي يواجه القرآن بافتك ما معه
يصور النمري ذل الحاكم العربي واليمني علي صالح أمام المسؤول الأمريكي فيما يلبس الجبروت أمام شعبه.
يقول النمري:
القيادات يوم تخاطب الشعب تظهر
غاضبة مشرئبة قاسية، وأي والي
لا لقي «كونداليزا» دنق الأرض مندر
كعبها تو وجهه ترفعه كعب عالي
أي حكام الفئران لا بوش قرر
جاثية عند ركبة بوش مثل السحالي
لي علينا تآمر هو من هناك يؤمر
ولي علينا عزاز هناك هم ذلالي
وكان الرئيس الخائن علي عبد الله صالح قد التقى مستشار الأمن القومي الأمريكي «كونداليزا رايز» التي كانت تقود مشروع «الشرق الأوسط الجديد» آنذاك، إبان زيارته إلى واشنطن عام 2000م حين قدم الولاء لجورج بوش ضمن المشروع الاستعماري الجديد «مكافحة الإرهاب».
أشعار النمري وباعتبارها أيضاً وعياً اجتماعيا توثق الحالة النفسية الاجتماعية والوعي والتصورات التي كانت سائدة تجاه الولايات المتحدة الأمريكية، وهي تصورات متناقضة بين من ينظر إلى الولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها قوة قاهرة لا فكاك منها ويهفو إليها أو يرغب إليها معجب بنموذجها الحضاري المشوه.
من يروح السفارة بايرى كم تُؤشـرْ
من جوازات (يو. إس. إيه) واحنا هنيهْ
العمالة تخلي كل ذمة مسخرْ
لو يقل «بوش» قبِّل وان يقبِّل حذيهْ
وعلى نقيض من يرون أمريكا بعيون العبد الذليل، هناك من يراها باحتقار مُستخفاً بقوتها أمام قوة الله، وهذا الوعي الثوري كان سائداً في أوساط المنتمين للمسيرة القرآنية من أتباع السيد حسين بدر الدين الحوثي.
من هي امريكا؟! من «اسرائيل»؟! من ذا الكون كلهْ؟!
ويـش قوتها مع الله؟! هل نقارن مستواها؟!
من مع ربي عزيز ومن مع امريكا فذلةْ
واي دولة ضد ربي فاقطع الظن ببقاها
فيما حزب الله هو النموذج الوحيد للمقاومة في العالم العربي الإسلامي، كان كذلك في تلك المرحلة، فيما اليوم أصبح حزب الله وقائده السيد المجاهد حسن نصر الله يُشيدون بالشعب اليمني وقيادته الثورية ممثلة بالسيد عبد الملك بدر الدين الحوثي.
وهناك شاهد عصـرنا الحالي دليله يشهدي
انظر لحزب الله والسيّد حَسَن وتأمّلهْ
كل الدول هزمت وآخرها العراق اتمددي
وحزب واحد حزب من لبنان ما حد يجهلهْ
ناضل وقاوم وانتصـر زعزع عروش المعتدي
وحطّم اسطورات خطّتها السنين الأولة
وأرعب «اسـرائيل» وامريكا، علينا نقتدي
منه دروس تعلّم الأجيال في ذي المرحلة
وفي قصيدة أخرى يشير النمري إلى الواقع العربي البائس في ظل الهيمنة الأمريكية:
ناداك صوت القدس لا تناساه واده ما طلب
واحيه على الدنيا وقل للكون هذا القدس قال
لا صلح لا استسلام لا رهبة ولن يهدى صعب
ما دام عاد في القدس تتمركز جنود الاحتلال
الحق لي مهضوم يرجع كل ما هو مغتصب
فيعود لاصحابه ومن هو معتدي كب الجدال
وفي قصيدة أُخرى:
كفاية ويش باقي يا عرب من ذل ما شفناهْ؟!
صوركم ينشـروها في السجون مشوهين عراة
نساكم في مضاجع خصمكم واعراضكم مسباة
يموت الحر غيظ ويشـرب العلقم ولا يهتانْ
وقال أيضاً:
ومن هو القائد اللي لا ذكرناه نفخرْ
في العرب ما تبقى غير «بوش» ووليهْ
لا عروبة ولا عزة ولا قوم تقدرْ
تحمي الأرض والا تنتصـر للرعية
الموت لأمريكا!
شعار «الله أكبر. الموت لأمريكا. الموت لإسرائيل. اللعنة على اليهود، النصر للإسلام»، هذا الشعار الذي جاء به السيد حسين الحوثي باعتباره آنذاك سلاحاً وموقفاً، يتكرر الشعار في مختلف قصائد النمري، وفي كل مرة تحمل القصيدة استفساراً ضمنياً: لماذا الموت لأمريكا؟ ولماذا اللعنة على اليهود؟ وتجيب: لأنه في سلوكهم العدواني يستحقون ذلك، في استيحاء من القرآن الكريم لقوله تعالى: «لعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِى إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذلِكَ بِمَا عَصَوْا وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ».
يقول النمري:
ارفعي يا قوافي صـرخة الله أكبرْ
هزي الكون كله ترجع الأرض حية
وصيحي: الموت لامريكا لها الموت الاحمرْ
منبع الشـر مرجع كل ضـر وأذية
وزمجري: الموت لـ»إسرائيل» تفنى وتقبرْ
الفساد الضغاين والنوايا الردية
وفي قصيدة أخرى، يبين لماذا الشعار، مع حشد لشواهد تبرره، وفي حجاج منطقي لمن يطلبون السكوت:
ذا الشعار ايش فيه ان ما بغيتوه ينشـرْ
فاقنع الناس والا جيب بدايل قوية
إن حسبتوه بدعة أو حسبتوه منكرْ
ويش باقي من المعروف والمنطقية؟!
إن تقدم لوقته فايش باقي مؤخرْ؟!
السواحل ملانة والحشود اجنبية
وان خشيتوا مضـرة فاسألوا من تضـررْ
ويش فاده سكوته يوم دق التحية؟!
وان حسبتوا المصالح والعلاقة توترْ
ويش قدم رئيس المصلحة للرعية؟!
إن أثار العداوة فالعداوات تظهرْ
في النوايا الخبيثة والقروض السخية
من هو اللي بذلّه في حياته تحررْ؟!
ومن هو اللي بخوفه خف قهره شوية؟!
وقال في قصيدة أخرى:
والموت لامريكا يموت الطاغية والمذنبي
عدوة الإنسان والشيطان يلقى مصـرعه
والموت لـ»اسـرائيل» مت يا مكر مت يا ثعلبي
يا كفر يا طاغوت مت والقى الفنا وتجرعه
ومن شعره أيضاً:
صرخة هزت خفوقي هزته بالله أكبر
الله اكبر تشهد الدنيا وما في ذا البرية
كبرت بالموت لامريكا هي الشيطان الاكبر
هي عدوة كل خير أصل البلاوي والأذية
زمجرت بالموت لـ»اسرائيل» موت يا حقد يا شر
اليهود اللي لعنها الله وحاربها نبيه
وقال مباهيا:
رفعنا فوق الجبال الشامخات السود
شعار الله أكبر كبري يا كل ذرة نود
توكلنا على الله ما توكلنا على معبود
دعانا داعي الله واستجبنا له ولبيناه
صرخنا: الموت لامريكا يموت الطاغية ما عاش
وجهزنا له المدفع واعدينا له الرشاش
يموت الكاذب الخداع والمتكبر الغشاش
ولازم بوش يدري ان فيه رجال تتحداه
وله أيضاً:
الله اكبر حق في صدري وحربه في يدي
والله اكبر في يدي صاعق وفيني قنبلة
والموت لامريكا يموت الطاغية والمعتدي
والموت لـ«اسرائيل» كاس الموت نسقيها اوله
ولعنة الله على اليهود وكل ظالم مفسد
والنصر للإسلام رغم انف الذي يتجاهله
رفض الهيمنة الأمريكية
لا تقتصر أشعار النمري على وصف الواقع، وكشف الهيمنة الأمريكية على بلادنا والعالم الإسلامي، بل تدعو إلى الثورة عليها، وهذه المسألة هي من ضمن المنهجية القرآنية للسيد حسين الحوثي، ففي محاضراته يصف المُشكلة ويقدم الحل لها، فلا يقف الناس في حالة خوف من تحديات الواقع وشلل أمامه. وحسب اطلاعي على الإنتاج الشعري العربي والعالمي -وهو اطلاع قاصر في كل الأحوال- فلم أجد شاعراً قبل النمري أعطى الولايات المتحدة الأمريكية ومواجهتها كل هذه الأهمية، رغم أن المسألة الاستعمارية الأمريكية هي مُشترك لكثير من الشعراء الأحرار في العالم، وهو الأمر الذي أوضحته في هذا الملحق «مرافئ لا» في عدد سابق تحت عنوان «شعراء العالم يُحاكمون أمريكا».
ولا تكاد تخلو قصيدة في ديوان النمري من ذكر الولايات المتحدة الأمريكية.
يقول النمري:
نرفض أن نبقى مع امريكا موالي
والأوامر بوش يصدرها طرية
والسفير اللي يقرر ما اصطفى لي
ولا قد «اسرائيل» في شعبي ولية
حن قلبي للجرامل والأوالي
والله ان العيش ذا يحرم عليه
والله ان الحرب ما منها مجالي
والكرامة في زناد البندقية
ما جرى لي في ذي الدنيا جرى لي
كلنا القرآن صيحي يا برية
وابن بدر الدين في الأعماق غالي
كلنا نفداه واحنا له فدية
من جهلنا شافنا عند القتالي
مثلنا ما عاش مجهول الهوية
في سبيل الله كل المر حالي
مرحبا بالموت حيا بالمنية
من بغانا فاسألوا عنا الجبالي
فوق روس الشاهقات الحميرية
ما نبالي ما نبالي ما نبالي
واجعلوها حرب كبرى عالمية
وفي قصيدة أُخرى:
يا أمة العرب هيا للجهاد فلم
يبق لنا غير حد السيف من حكم
فلن نساوم في أرض نقاسمها
ولا تنازل عن شبر ولا قدم
يا أمة العرب هلاَّ تقدرين على
نيل الحقوق ورد السلب والشَّتم؟!
هل تذكرين علياً في شجاعته؟!
لله در أبي السبطين من علمِ!
ساعة الصفر دقت
خطاب النمري الداعي لمواجهة الولايات المتحدة كان خطاباً عمليا انعكاساً لواقع الحركة الثقافية ثم الميدانية في مواجهة التدخلات الأجنبية في اليمن، التي تطورت إلى حرب مباشرة، خاضتها الولايات المتحدة ضد مشروع المسيرة القرآنية.
في 20 مارس 2004، التقى علي صالح بقائد القيادة المركزية الأمريكية «جون أبي زيد»، وكان ذلك اللقاء إرهاصاً لشن الحرب على صعدة ضد مشروع «المسيرة القرآنية»، وفي العام نفسه التقى علي عبد الله صالح بوزير الدفاع الأمريكي «دونالد رامفسليد» ضمن إرهاصات الحرب على صعدة. وبعد سفر علي صالح إلى ولاية جورجيا الأمريكية والتقائه الرئيس الأمريكي «جورج دبليو بوش» في قمة الدول الثماني الصناعية بتاريخ 9 يونيو 2004، دشن النظام الحرب على صعدة بعد 9 أيام من لقاء بوش في 18 يونيو 2004.
ساعة الصفر دقت والمؤشر أشر
ما بقى خيط بين القنبلة والصاعق
صرخة الله أكبر صرخة الله أكبر
بانواجه بها العالم وكل منافق
انتهى الظلم، من حق الوطن يتحرر
وانتهت مدة الكذاب هو والبايق
ما بقى «بوش» وإلا «كونداليزا» تظهر
ما تبقى سوى القرآن قل للحاذق
طبلة الحرب دقت والمجاهد كبر
والجعب والبنادق شوق شاقت شايق
* نقلا عن : لا ميديا