من يراقب مسار اعتداءات تحالف العدوان المتصاعدة منذ شهر ونصف، من قصف صنعاء تحت عنوان “تحييد التهديد” إلى مزاعم استهداف “مخازن السلاح النوعي” ومعسكرات “الحرس الثوري الإيراني” المزعومة، وما كُشف عبر تركي المالكي عن دورٍ لحزب الله في إدارة المعارك وضرب العمق السعودي عبر مشاهد مفبركة ومركّبة، إلى هجوم شبوة على تماس مع البيضاء ومارب، إلى حياكة رواية ممر الصواريخ ومقاتلين أجانب عبر ميناء الحديدة، وبث فيلم صواريخ باليستية مفبرك، إضافة للماكينة الإعلامية الواسعة المجنّدة سعوديا-إماراتيا لإخراج انتصارات تحت مسميات استراتيجية، من يراقب كل هذا المشهد يصل إلى خلاصة مفادها أن تخبطاً على مستوى الإقليم تعيشه مملكة بني سعود، وتحديدا ولي عهدها محمد بن سلمان وفريقيه العسكري والدبلوماسي.
يوضح المشهد أن القائمين على إدارة العدوان على اليمن، في الرياض تحديدا، يطمحون إلى لملمة أوراق تفاوض إقليمية، وأن تقييماتهم وتقديراتهم دفعتهم إلى محاولة إحداث متغير ميداني في اليمن.
لو سلمنا جدلا بأنهم تمكنوا من تحقيق إنجازات ما فعلا، فهل سيصح توظيفها في مفاوضات مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، كما يشيع البعض؟
الإجابة يمكن فهمها من خلال تصريحات سابقة لأمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله الذي أكد أن لا دور لحزب الله في اليمن كما يوحي آل سعود، ولا إيران تفاوض عن حلفائها ومنهم أنصار الله. وبالتالي إن التقديرات السعودية مبنية على أسس خاطئة، وهذا مرده إلى التخبط الذي يعيشونه، فهم لم يخرجوا بعد من حقيقة حدوث متغير في اليمن منذ عام ٢٠١٤ أخذ بصنعاء إلى موقع آخر بعيدا عن سطوة السفراء ومزاجيات الأمراء.
في المقابل، ومنذ شهرين يتضح أن صنعاء تدير معركتها بحكمة عالية ودقة لا متناهية، فهي تستوعب ضربات العدو الانفعالية بشيء من التأديب، كما يحلو لصنعاء تسميته، وهي تتعامل مع “الانفعال” السعودي والإماراتي كما تعاملت مع إدارة معارك مأرب، حين ظن قريبون وبعيدون أن المعركة هناك بحت عسكرية، فيما كانت جوانب أخرى هامة يعمل عليها، على رأسها التفاوض مع القبائل بما يعني ذلك من حقن دماء يؤسس لمراحل هامة من مستقبل اليمن.
اليوم، ومع الجنون السعودي والتخبط الذي تعيشه دول العدوان مجتمعة في اليمن، يبدو من خلال فهم طريقة مقاربة صنعاء لمجريات المعركة، ومن خلال أحداث سابقة حصلت، أن صنعاء تحضر لرد ذات أبعاد عدة لا يقف عند حد ضربات في العمق أو “العمقين”. رد قد يكون هدفه الأساسي إفراغ أهداف تصعيد دول العدوان من مضامينها وتعطيل مفاعيل أي منجز ميداني، يراه الغازون أنه قد يشكل متغيراً يمكن توظيفه في الاستراتيجيات.
وفي يد صنعاء أوراق قوة بعضها ظاهر وآخر قد تبوح بسره المرحلة المقبلة، ونحن لا نبالغ، فلنرتقب.